وقد بين الله تعالى أن
المؤمنين المجاهدين لا يستأذنون إلا لعذر قاهر ، أو لأمر ظاهر، كما أمر
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا فارس الإسلام بأن يبقى في
المدينة ليكون قريبا من أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد تألم علي لذلك ولكنه أطاع، ويظهر أن الله تعالى وفق النبي - صلى الله عليه وسلم - في إذنه لعلي بالتخلف، فإنه لم يكن قتال.
قال تعالى:
لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين .
إن الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر لا يستأذنونك في القعود عن الجهاد; لأنهم يعلمون أن الجهاد فريضة، ولأنهم أعزاء في ذات أنفسهم، ولأنهم يعلمون أن الله تعالى مبتليهم بالخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس، ولأنهم يصبرون في الشدائد، ولأنهم يعلمون أنهم في الجهاد يفوزون بإحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، وفيهما الخير كله، فالفوز بإحداهما، ولأنهم يعلمون أن الدنيا متاعها إلى أجل محدود، وأن الآخرة خير وأبقى، ولذا ذكر الإيمان باليوم الآخر بجوار الإيمان بالله، فالإيمان بالله اعتماد على القوي المتين، والإيمان بالآخرة إيمان بالجزاء والعوض عن الحرمان والشهادة.
وقوله تعالى:
أن يجاهدوا أي في أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، وحذف حرف "في" في المصدر المنسبك من (أن وما بعدها) كثير في كلام العرب، ويصح أن يقدر: كراهية أن يجاهدوا، وهذا نفي لأن يقع ذلك منهم، فهم لا يستأذنون في التخلف لكراهية الجهاد؛ لأنهم لا يكرهون أمرا فرضه الله تعالى، إذ إن إيمانهم يوجب عليهم أن يحبوا ما أحب الله لهم وفرضه عليهم، ولأنهم يريدون العزة، والعزة تحت ظلال السيوف.
[ ص: 3318 ] بأموالهم وأنفسهم أي بإعداد العدة والقوة، وإمداد الجيش بالمؤن والذخيرة، وحمل الفقراء الأقوياء إذا لم يجدوا ما يحملهم، وبأن يتقدموا بأنفسهم في غير اضطراب ولا وجل، ويفزعون أعداء الله وأعداءهم بإقدامهم; ثم ختم الله تعالى الآية بقوله تعالى:
والله عليم بالمتقين وهذا إخبار عن علم الله تعالى بالمتقين الذين يتقون عذاب يوم القيامة، ويتقون أن تكتب عليهم الذلة، ويتقون أن يستخذوا ويستكينوا لأعداء الحق وأعداء الله تعالى، ويتقون أن يكون للكفار عليهم سلطان، وأن تكون ولايتهم لغير المؤمنين - الله تعالى عليم بهؤلاء المتقين، وسيجزيهم بأحسن الجزاء في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا العزة والكرامة، والعلو في الأرض من غير فساد، وفي الآخرة بالنعيم المقيم.