ولكن المؤمنين مطمئنون لما يقضي به الله تعالى لا يستطيرهم نصر، ولا يخذلهم قرح، بل إنهم يقدمون متوكلين عليه سبحانه، إن أصابتهم حسنة لم يستطيروا بها، بل يستعدون لما بعدها، وإن أصابتهم نكبة رضوا، وعلموا أن الله تعالى قد قدر لهم ما فيه خير، ولذلك قال تعالى:
قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون .
أمر الله تعالى نبيه أن يقول ما هو تفويض إليه سبحانه، وما فيه توقع الخير، حتى فيما يكون في ذاته نكبة أو شدة؛ إذ قد يكون وراءه خير، أو خير قد اختفى في هذه الشدة، كما قال تعالى:
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون
فعسى هذه الشدة يكون فيها خير كثير، ولو كانت مكروهة، كما قال تعالى:
فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ولذا قال:
قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا أي أنه ليس لنا أن نتبين إن أصابتنا كارثة أو نكبة، فقد تكون كارثة تنبهنا إلى خطأ وقعنا فيه فيكون هذا التنبيه خيرا لنا، وواقيا لنا من أن نقع في مثله، وفوق ذلك فإن المستقبل يكون خيرا لنا لننال الحسنى إن قتلنا، ففضل الشهادة خير مما تفرحون.
[ ص: 3328 ] هو مولانا أي هو في اعتقادنا وإيماننا مولانا وناصرنا، ومتولي أمورنا فيما وقع وما يقع، ومن كان الله ناصره لا يخذل، ومن كان الله معه فإن العاقبة له، إن لم يكن في هذه الدنيا ففي الآخرة، وفيها النعيم المقيم.
وعلى الله فليتوكل المؤمنون أي: عليه وحده يتوكل المؤمنون، وقد أمرنا بذلك، وتقديم الجار والمجرور للإشارة إلى أن الله تعالى هو الذي يتوكل عليه المؤمنون، فلا يتوكلون على أحد سواه، ولا يرجون غيره، ولا يعتمدون إلا عليه، و(الفاء) لفصل الفعل الأمر عن الإخبار.
والأمر هنا بالتوكل لا ينافي العمل، فالعمل بالأسباب الدنيوية أولا، ولكن يجب عليه لكي ينجح العمل أن يقرن به التوكل، فالأسباب وحدها (لا تكفي) إلا بفضل من الله وتوفيق، فالاتكال من غير عمل تواكل، والعمل من غير توكل على الله غرور وتمرد على الله سبحانه وتعالى.