العبرة في القصص
يقول تعالى:
فإن كنت في شك مما أنـزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون [ ص: 3631 ] فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين
* * *
فإن كنت في شك مما أنـزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين
الشك هو الضيق، ثم أطلق على التردد في الحكم بين اليقين والإنكار، لأنه يحدث في النفس ضيقا، وسياق القول في هذه الآيات وما قبلها هو بيان القرآن
[ ص: 3632 ] للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أصاب أولي العزم من الرسل ما أصابه من قومه ونزل بهم من الشدائد والإعراض والاستهزاء والسخرية ما نزل به - صلى الله عليه وسلم -، وأنه سبحانه ينبه نبيه - صلى الله عليه وسلم - إلى صدق ما أخبره ويثبت فؤاده، وفي النهي عن الشك أمر بالتثبت واليقين والاطمئنان إلى أنه الحق، فقوله تعالى:
فإن كنت في شك مما أنـزلنا إليك هو فرض غير واقع والغرض منه:
أولا - تثبيت النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثانيا - بيان أن الكتب السابقة ثابت فيها هذا.
ثالثا - تذكير النبي - صلى الله عليه وسلم - بما حدث للنبيين قبله.
رابعا - بيان أن القصص الصادق يربي اليقين.
والدليل على أن النص لا يفيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشك، أن أداة الشرط هي " إن " وهي تدل على أن فعل الشرط ليس بواقع ولا محقق.
والشك - كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي - هو طريق الوصول إلى الحق، وقد ذكر الله تعالى في القرآن أن المشركين يسارعون بالتكذيب ولا يتروون فيتفكروا ويصلوا إلى الحق البين، والله سبحانه وتعالى يفرض الشك الذي لم يقع كأنه واقع ليسوق الأدلة المثبتة وهي شهادة الكتب السابقة لهذه الأخبار الصادقة; التي تزيل كل أوهام المشركين على أن الخطاب في قوله تعالى:
فإن كنت في شك هو لأهل الخطاب الذين يعلمون القرآن أو يتلونه بأن يسالوا الذين أوتوا الكتاب من قبل.
وقوله تعالى:
مما أنـزلنا إليك فيها ما يفيد نفي الشك لأنه من عند الله تعالى الذي بعثك رحمة للعالمين فلا ريب ولا يمكن أن يكون ريبا; لأنه عاين الوحي الذي خاطبه به الروح الأمين
جبريل عليه السلام نزل به على قلبك وأن
الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الحق من ربك فلا تكن من الممترين [ ص: 3633 ]
الامتراء هو الشك بعد اليقين، فالنهي عن الامتراء هو للاستمرار على اليقين والإيمان، وألا يتزلزل ذلك اليقين بفعل المشركين، وأن مؤدى ذلك القول هو تأكيد الحق وتثبيته لأتباع
محمد - صلى الله عليه وسلم - ولتثبيت فؤاد النبي
محمد - صلى الله عليه وسلم - وإيمانه الراسخ كالجبال أو أشد، فكثرة الدلائل تثبت اليقين كقول
إبراهيم - عليه السلام:
وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي
وقوله تعالى:
لقد جاءك الحق من ربك نص يوجب اليقين، فالحق وحده نور يجلو اليقين قد أكده سبحانه وتعالى بكلمة " قد " وباللام قبلها، وقال:
من ربك أي: الذي خلقك ورباك، ولذا رتب عليه النهي عن الافتراء.
(الفاء) في قوله:
فلا تكونن من الممترين لترتيب ما بعدها على ما قبلها والنهي موجه في ظاهره للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو موجه للناس عامة وأهل
مكة خاصة.