ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين
لقد جاء قوله تعالى بعد النهي عن الامتراء. وهذه الجملة القرآنية معطوفة على قوله تعالى:
فلا تكونن من الممترين والنهي كالنهي السابق مؤكد بنون التوكيد الثقيلة وهو موجه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بظاهر القول وموجه للناس كافة، ومع ذلك فيه إشارة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سواسية في الخطاب بالحق مثلهم، وفي قوله تعالى:
ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله نهي عن الامتراء، وأن الامتراء بعد الإيمان يؤدي إلى تكذيب آيات الله تعالى، ولذا نهي عنه - صلى الله عليه وسلم - بسياق القول، وظاهر الخطاب النهي للناس أجمعين، وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أسوة لهم في الخطاب كما هو أسوة لهم في الإيمان، والنهي الموجه له يكون بالأولى نهي لغيره، ذلك ليفتشوا قلوبهم ويبعدوها عن الامتراء في الحق حتى لا يؤدي ذلك إلى التكذيب بآيات الله.
ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله في قوله تعالى نهي مؤكد لأن يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صفوف الكثرة الضالة التي خير منها القلة المؤمنة، فلا يقاس
[ ص: 3634 ] الحق بالعدد والكثرة ولكن بالإيمان وقوة الدليل، ونكرر أن الخطاب للناس فلا يصح أن ينساق أحد وراء الكثرة المبطلة تاركا القلة المحقة، وعبر سبحانه بقوله تعالى
كذبوا بآيات الله لبيان أن صلة الموصول سبب لانغمارهم في الضلالة، إذ الآيات الكونية واضحة وآياته القرآنية تحدى بها الرب أن يأتوا بمثلها فعجزوا، وقد رتب الله تعالى على تكذيب الآيات الكونية والقرآنية الخسارة
فتكون من الخاسرين (الفاء) لبيان أن ما بعدها مترتب على ما قبلها، أي: أنه يترتب على تكذيب آيات الله أن تكون في صفوف الخاسرين الذين خسروا الإيمان، وهذا أساس الخسران فخسروا الإيمان باليوم الآخر وما فيه من جزاء بعد الحساب، وخسروا فزعموا أن الحياة الدنيا وحدها هي الحياة وهذا هو الخسران المبين.