قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين [ ص: 3642 ]
قد بين سبحانه أن المشركين في قبضته ثم أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل نفسه أسوة في الإيمان.
الخطاب لأهل
مكة ومن يكون مثلهم كافة، ولذا نادى سبحانه
يا أيها الناس والنداء للبعيد، لبعد نفوسهم عن نفسه - صلى الله عليه وسلم - ومجافاتهم للحق وهو يتبعه.
إن كنتم في شك من ديني إن كنتم في ريب مع ما قدمت لكم من براهين وأدلة قاطعة على الدين الذي أؤمن به وأعتقده لأنه الحق في ذاته والعقول تتلقى ما فيه بالقبول.
إن كنتم كذلك فلا تطمعوا أن أكون مثلكم أحيد عن الحق وأجافيه، وأعبد مثلكم الذين تعبدون من دون الله وهي الأوثان، وعبر عنها بما يدل على العقل بكلمة (الذين) مجاراة لتفكيرهم إذ يعدونها من العقلاء ويعبدها كبراؤهم من المشركين والضالين.
وفي مجاراة الضال من غير اعتناق لما ضل به أفضل تنبيه، وحمل له على التفكير.
تعبدون من دون الله في هذا دليل وبيان للسبب الذي دعاه - صلى الله عليه وسلم - لئلا يعبدها وهي أنها غير الله الذي لا يعبد إلا هو وحده لا شريك له.
ولقد صرح - صلى الله عليه وسلم - بمن يعبده في قوله تعالى:
ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم والاستدراك; لنفي أن أوثانهم تحيي أو تميت، وهو يتضمن إثبات عبادة الله وحده لا شريك له متجاوزا عبادتهم مبتعدا عنها، وفي الكلمة القرآنية
الذي يتوفاكم إشارة إلى استحقاقه للعبادة لأنه الذي يتوفى الأنفس حين موتها فهو يحيي ويميت وهم يرون ذلك ويشاهدونه.
وقد ذكر سبحانه الوفاة ولم يذكر الإحياء; لأن الوفاة لا تكون إلا للحي فذكرها يتضمن ذكر الإحياء، وإشارة إلى أنهم ليسوا مخلدين وأنهم ضعفاء يموتون، وذكر الموت يذهب بغرورهم وفي ذهابه تقريب لهم إلى الإيمان، كما أن آلهتهم التي لا تضر ولا تنفع، لا تميت ولا تحيي.
[ ص: 3643 ] وأمرت أن أكون من المؤمنين جاء ذكر الأمر ولم يذكر الآمر سبحانه وتعالى الذي يعرفون أنه الخالق وحده; لأنه حاضر في النفس دائما; لأن الأمر من الله يكون معه أمر العقل والإدراك المستقيم، والبرهان الصادق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالأمر إذا جاء من الله الخالق الواحد الأحد جاء من العقل المدرك وجاء من الآيات البينات.
وقوله تعالى:
أن أكون من المؤمنين فيه (أن) مصدرية، والأمر بالكينونة بهذه الصفة يفيد أن يكون مندمجا بها في المؤمنين في جمعهم الطاهر البعيد عن الوثنية.