بذل أقصى جهده في التقريب والتأليف والنصيحة والإرشاد وتحمل سفه القول منهم حتى آمن من آمن، وما آمن معه إلا قليل، ومن بعد إيمانهم أوحى الله تعالى إلى نوح عليه السلام أنه لن يؤمن غيرهم. فلا تبتئس أي: لا تحزن ولا تأسف بما كان يفعل من استكبروا في الأرض من سخرية وازدراء لأهل الإيمان، وأنما أنت نذير وقد أنذرت، ولم يبق إلا أن ينزل بهم ما كانوا يستعجلون ويقولون بتحد فأتنا بما تعدنا وقد اشتبه حال نوح معهم بحال محمد - صلى الله عليه وسلم - مع قريش قبيل الهجرة، إذ لم يؤمن منهم أحد، وإن كان منهم من يلقي بالمودة من غير إيمان، ثم كانت الهجرة وكانت الحرب وأنزل الله بهم هزيمة بعد هزيمة ولم تكن إبادة كإبادة قوم نوح عليه السلام، لأن رسالة محمد خالدة فكان من أصلاب المشركين بالله والجاحدين لرسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، من يعبد الله وحده ومن يدعو إلى الله ويجاهد في سبيله nindex.php?page=showalam&ids=22كخالد بن الوليد nindex.php?page=showalam&ids=28وعكرمة بن أبي جهل. [ ص: 3708 ]
أما رسالة نوح فلم تكن خالدة، ولذا كانت الإبادة لمن كفروا وبقيت من المؤمنين بقية صالحة، ولذا أمره الله تعالى بأن يصنع الفلك لنجاة نوح عليه السلام ومن معه من المؤمنين، وإغراق المشركين حتى لا يذر منهم أحدا،