[ ص: 3781 ] (سورة يوسف)
تمهيد:
سورة يوسف سورة مكية، وعدد آياتها إحدى عشرة ومائة، وقالوا: إن أربع آيات هي الأولى والثانية والثالثة والسابعة مدنية، ولا نرى فيها ما يدل معناها على أنها مدنية، والله أعلم.
ولقد كفرت طائفة من الطوائف الخارجة عن الإسلام بإنكارها سورة يوسف، وادعاء أنها ليست من القرآن، وكأن القرآن يخضع بالزيادة والنقصان للأهواء المنحرفة، وإن ادعت التمسك بالدين، فهي تمرق منه مروق السهم من الرمية، وأولئك هم أتباع
عبد الكريم عجرو، وإن القرآن كله غير منقوص ثبت بالتواتر عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وأنه تلقاه عن
جبريل الرسول الأمين عن رب العالمين مرتلا متلوا، كما قال تعالى:
ورتلناه ترتيلا
وما كان لنا أن نعرف ما دفعهم إلى هذا الإنكار الذي كفروا بسببه، ولكن نذكره لبيان أنه وهم كافرون لم يذوقوا القرآن ولم يعلموه، قالوا إنها قصة غرام، ونزلت دفعة واحدة، والقرآن منزه عن ذكر الغرام والحب، والقرآن نزل منجما، ونقول في الإجابة عن ذلك، إنها قصة المجتمع المصري والأسرة الفرعونية التي طغت في البلاد وأكثرت فيها الفساد، وقال قائلهم:
أنا ربكم الأعلى وبينه على هذا النحو من الانحلال، وهي بينت مغبة الغرام، وكيف يوجد الانحلال والاستعصام بالفضيلة حيث تفور فورة الرذيلة، ودعوة الوحدانية في وسط الوثنية، وتدبير الاقتصاد، واستعانة الفراعنة بخبراء الاقتصاد حيثما كانوا، وخضوعهم لآرائهم، وتوسيد الأمر لهم، ثم هي تبين مركز
مصر [ ص: 3782 ] الاقتصادي، واستعانة من حولها بها، ثم تثبت نفسية الآباء مع الأبناء، والحسد بين الإخوة، وما ينبغي عند تربية الأولاد.
وإن ما سموه الغرام المنحرف لم يكن إلا في جزء صغير منها، ولم يستغرقه، بل ترددت عباراته، وقد ابتدأته بـ
وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وانتهت بدخوله السجن، وهي ثماني آيات، فيها الغرام من جانبها والاستعصام من جانبه، وباقي السورة حكمة واقتصاد وتدبير، وتعاون، ومشقة وصبر، ثم لقاء الأحباب على مائدة المودة والأخوة الودود.
فكيف تسمى سورة غرام إلا ممن انحرف عقله انحرافا منعه من استيعاب السورة.
وإن القرآن لم ينزل كله منجما، فأول سورة التوبة نزل دفعة واحدة، وأكثر سورة الأنعام نزل دفعة واحدة وسورة إبراهيم أكثرها نزل دفعة واحدة.
وإذا كان ممن تسموا باسم من
الخوارج من قال هذا القول، فقد كان منهم أيضا، من أجاز نكاح البنات والأمهات، والمجوس وهم - بلا شك - كافرون كإخوانهم.
ونقول: إن أكثرهم كان مؤمنا منحرف العقل، ورضي الله عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب إذ قاتلهم، وقتل منهم مقتلة كبيرة، فقد قال بعد ذلك القتال: (لا تقاتلوهم بعدي، فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه) .
إن القصص الذي في هود وغيرها، كان في الأرض العربية، ولم يكن فيها من غير البلاد العربية، إلا قصة
موسى عليه السلام، وقد ذكر فيها طغيان
فرعون، وخضوع أهل
مصر له، في نفوسهم وأفكارهم وعقولهم حتى ساغ له أن يقول:
ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد
أما قصة
يوسف عليه السلام فإنها تناولت ناحية اجتماعية، تعرضت للأسرة، وما يجري في داخل القصور، وتعرضت للمجتمع المصري، وانحراف نساء الطبقة التي
[ ص: 3783 ] تسمى راقية، ثم تعرضت للاقتصاد في
مصر، وكيف كان يدبره إلى آخر ما جاء في السورة الكريمة، ثم صورت لقاء الأحبة بعد أن فرق الحسد فيما بينهم.
* * *