وديعة الجب، وما جرى لها!!
وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى [ ص: 3812 ] أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين
* * *
ألقي
يوسف الحبيب في الجب، وسلمه إخوته وديعة لله تعالى، وإن لم يقصدوا، ونرجح بمقتضى طبائع النفوس أنهم لم يكونوا جميعا مستريحين لهذه الجريمة بل روي أن واحدا منهم كان غائبا، فلما أخبر ذهب إلى الجب، ولكن السيارة كانت قد التقطته، وإنه لا يمكن بمقتضى الطبيعة الإنسانية أن يرتاح المجرم بعد جريمته، وخصوصا أنها كانت على أخيهم، وجريرتها كانت على أبيهم الشفيق.
ألقي في الجب، وقد ألقى الله في قلبه الاطمئنان بإلهام الله تعالى والرضا بقضائه وقدره،
وجاءت سيارة قافلة
فأرسلوا واردهم الذي يتكشف لهم الماء ليرده، ويملأ لهم ما يسقيهم، فتعرف هذه البئر التي يقر فيها
يوسف نتيجة الحسد،
فأدلى دلوه أي: أرسل الدلو إلى ماء البئر فتعلق به الغلام الذي أريد له الضياع - أو الموت أيهما أسبق - بالدلو فبدل أن يخرج ماء وجد غلاما جميلا، فقال:
يا بشرى هذا غلام استبشر به، وكان وجها صبوحا مشرقا، وقال:
يا بشرى ينادي البشرى من فرط فرحه، أي: أقبلي فهذا وقتك.
أسرته القافلة كلها، وعدوه بضاعة يتجر فيها، تباع وتشترى، ويجري من ورائها كسب، ولم يكونوا راغبين في بقائه بينهم; لأنهم لا يكون معهم إلا من يعمل معهم، وغلام يحملونه ويغذونه قد يكون عبئا عليهم، وهذا معنى قوله تعالى حكاية عن حالهم
وكانوا فيه من الزاهدين زهدوا فيه ولم يرغبوا في
[ ص: 3813 ] إقامته معهم، وحملهم إياه، ولذلك باعوه بيع من يرغب عنه، لا من يرغب فيه، وفي اقتنائه، إن صح هذا التعبير بالنسبة لنبي الله تعالى.
ولذا قال تعالى: