ثم بين سبحانه وتعالى علمه بالناس في سرهم وجهرهم، في خواطر نفوسهم وما تنطق به ألسنتهم، فقال تعالى:
سواء منكم من أسر القول ومن جهر به
التفت سبحانه وتعالى من الغيبة إلى الخطاب عندما تحدث بعلمه عن الأحياء، فقال:
سواء منكم من أسر ليشعر الأناس من خلقه بأنه معهم، فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم ويخاطبهم سبحانه وتعالى، وهذا إشعار لهم بمقام المشاهدة ليتجهوا إليه; ليحسوا برقابته، وكمال شهادته.
[ ص: 3908 ] و:
سواء بمعنى يستوي منكم من أسر القول فلم ينطق بما تحدثه به نفسه، ومن يجهر بما في قلبه فهو سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى، يعلم ما يجول بالخواطر وأحاديث النفس، وما يجهرون به، يعلم ما يبيتون وما يظهرون، يعلم النيات والأعمال على السواء، فهم تحت رقابته وعلمه، وهو بكل أحوالهم محيط فيما يسرون، وما يعلنون، ويكون (من) فاعل يستوي.
ومن هو مستخف بالليل المستخفي بالليل: السين والتاء للطلب، أي: من هو طالب للاختفاء بالليل، فهو لا يكتفي بخفاء الليل وظلمته، بل يطلب خفاء آخر بأن يكون في كن من الأرض مستور لا يعلمه أحد، و: (السارب)، هو السائر في سرب، أي: في طريق ظاهر بالنهار، فحاله لا تخفى على أحد; لأنه في وضح النهار، ولأنه سائر في سربه معلوم، وذكر هذا بجوار الاستخفاء بالليل للدليل على أنه لا تفاوت في علمه بين الظاهر والخفي، بل الجميع في علمه على سواء، إنما التفاوت يكون فيمن يكون علمه مبنيا على الحس فيختلف عنده المحسوس عن غير المحسوس، وعلم الله سبحانه وتعالى ذاتي، كل المعلومات عنده سبحانه وتعالى على سواء، ولإشعار الناس جميعا بأنهم تحت سلطان علمه المحيط.
ولقد قال العلماء: إن (سواء) بمعنى الاستواء تكون لمعادلة اثنين، ولا شك أن " من هو مستخف بالليل " معطوف على
من أسر فتكون سواء داخلة عليه، لأن عطف النسق على نية تكرار العامل، فسواء مقدرة في الاستخفاء، وسارب، فما هما المتعادلان; قالوا: إن (من) مقدرة في قوله تعالى:
وسارب بالنهار لأنها معطوفة على (مستخف) فتقدر (من) الداخلة على
مستخف وليس في هذا كبير خفاء.