بعد أن بين سبحانه وتعالى
علمه الشامل بكل شيء بين مظاهر الخلق والتكوين قال تعالى:
* * *
هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال
* * *
[ ص: 3913 ]
بين الله سبحانه في الآيات السابقة ما يسير الإنسان، وعلم الله المحيط الذي يشتمل ما يظهر وما يختفي، والمعقبات التي تحفظ وتحصي ولا ترى.
ثم بين سبحانه وتعالى ما يرى وما يسمع، وما يحرق، والله مسيره، وموجهه، بحيث ترى آثاره، ولا يكون من الإنسان تفاعله، بل يتولى أمره رب العالمين، فقال تعالى:
هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا الضمير يعود على الله تعالى الذي يكون الحفظ من أمره، ومن كل ما يقدره، فهو الذي يرينا البرق حالة كوننا خائفين من منظره، ومن عاقبته، طامعين في أن يعقبه مطر يكون غيثا، وخائفين من أن يكون غيثا مدمرا مفسدا. والبرق ينشأ عند اصطدام سحابتين بعضهما ببعض فيحدث من الاصطدام النور البارق. ويقول علم خواص الأجسام: إن إحدى السحابتين تكون ذات كهرباء موجبة، والأخرى ذات كهرباء سالبة، فيحدث من احتكاكهما برق، ويكون معه الرعد، بيد أن الرعد لا يصل إلى الأسماع إلا بعد فترة من رؤية البرق; لأن الرعد صوت الاصطدام والبرق صوته، ولكي يصل الصوت إلينا يمر بأجواء الفضاء فلا يصل إلى مسامعنا إلا بعد فترة يقطع فيها مروره، والصواعق إذا كانت أحيانا من هذا الاصطدام تكون مع البرق في فترة واحدة تقريبا. وهذه الآية تبين
رؤية البرق، والتي تليها تبين سماع هزيم الرعد، والثالثة تبين إصابة الله تعالى بالصواعق لمن يشاء.
ولقد ذكر سبحانه في الآية الأولى أنه يري الناس البرق خائفين طامعين، وذكر بعد البرق السحاب المملوء ماء، فقال سبحانه:
وينشئ السحاب الثقال السحاب اسم جنس جمعي لسحابة، واسم الجنس الجمعي هو الذي يفرق بينه وبين مفرده بالتاء أو ياء النسب، مثل شجر وشجرة، ومثل عرب وعربي، فمفرده كما رأيت سحابة، والثقال جمع ثقيلة، وعبر سبحانه وتعالى بالنسبة للسحاب بأنه أنشأها، ولم يقل سيرها; لأن الله تعالى يشير بذلك إلى رحمته بالناس، أي: إن ماء البحر الملح يتبخر ثم يتكاثف ماء عذبا، يثيره سبحانه وتعالى سحابا مملوءا بالماء، فبين أنها ثقالا لا تحمله من هذا الماء العذب الفرات، ويرسلها لمن يشاء من
[ ص: 3914 ] عباده، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:
ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينـزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار