الله تعالى رب كل شيء
قال الله تعالى:
قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار أنـزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال
* * *
كان
العرب يؤمنون بأن الله تعالى خالق السماوات والأرض، وأنه ليس كمثله شيء، ولكنهم مع الإيمان بهذه القدرة القاهرة الغالبة كانوا يعبدون مع الله آلهة أخرى; ولذلك كان الاحتجاج عليهم بالخلق والتكوين احتجاجا بأمر يعترفون به ويقرونه، ولا يخالفون فيه، لذلك أمر الله تعالى نبيه بأن يقول لهم:
قل من رب السماوات والأرض كان السؤال لهم للإلزام، لا للإثبات، فهذا أمر ثابت
[ ص: 3921 ] لا خلاف فيه عندهم؛ ولذا أمر الله تعالى نبيه بأن يتولى هو الإجابة، فقال:
قل الله لأنهم يقرون بذلك ولا ينكرونه؛ ولأن ذلك بدهي في ذاته؛ إذ لم تكن فيهم انحرافات الفلاسفة الذين يقولون فيها بالعلة والمعلول. ولم تكن فيهم خرافات المصريين في عهد الفراعنة؛ ولذلك أمر نبيه أن يجيب عنهم، ثم أمره سبحانه أن يسألهم عن شركهم لماذا يكون مع اعتقادهم أن خلق السماوات والأرض لله - تعالى - وحده،
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله
أمره الله - تعالى - أن يسألهم ما رتبوه على هذا الاعتقاد، وهو نقيضه،
قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، والهمزة للاستفهام، وقدم على الفاء؛ لأن الاستفهام له الصدارة، والاستفهام للتوبيخ أو التهكم، والمعنى: فقد رتبتم على قولكم: إن الله خالق السماوات والأرض أن اتخذتم أولياء أو نصراء لهم ولاؤكم كأنهم آلهة غير الله - تعالى - ودونه في العقول عند كل المعقول، وتركتم من خلق وحده، وبدل أن تعبدوه عبدتم ما لا يملك لنفسه نفعا وإن أراده، ولا ضرا إن أراد دفعه، ومن لا يضر نفسه ولا ينفعها، فبالأولى لا يضر ولا ينفع غيره، فلا يرجى خيره، ولا يدفع شره إلا ما يكون في أوهامكم، وإن هذا التوبيخ يتضمن التوجيه إلى الوحدانية والبعد عن الشرك بالدليل القاطع المانع.
ولقد بين سبحانه ما تنكره العقول في هذا النحو من التفكير، وأمر الله - تعالى - نبيه أن يوجه إليهم الأسئلة ليتنبهوا إلى بطلان ما هم فيه، ومناقضته لاعتقادهم أن الله خالق كل شيء.
قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور هذا الاستفهام إنكاري في الاثنين، وهو توبيخي، وفيه معنى التهكم، هل يستوي الأعمى الذي لا يرى بالبصير الذي يرى الأشياء، وإنكم قد أبصرتم الحق بإقراركم أن الله خالق السماوات والأرض، فأقررتم بأنه الخالق، ومع
[ ص: 3922 ] ذلك عبدتم ما لا يملك جلب خير لنفسه، ولا دفع ضر لها، فلا يستويان، كما لا يستوي الأعمى والبصير، والظلمات والنور.
و (أم) في قوله
أم هل تستوي الظلمات والنور للإضراب الانتقالي، فينقل الله نبيه من السؤال عن استواء الأعمى والبصير إلى السؤال عن استواء الظلمات والنور.
وينتقل آمرا نبيه بأن يسألهم سؤالا إيجابيا عن الخلق عساهم يشركونهم في الخلق بدل التوحيد الذي قرروه من قبل فقال:
أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم (أم) هنا للإضراب الانتقالي، وهو استفهام إنكاري لإنكار الواقع، أي توبيخ لهم؛ لأن حالهم فيها إنكار؛ لأن الله خالق كل شيء، إذ إنهم يؤمنون بالأوثان كإيمانهم بالله أو أشد، فحالهم حال من جعلوها شركاء لله - تعالى - في خلقه وإنشائه للوجود، حتى تشابه الخلق عليهم، فحسبوا أنهم خلقوا كما خلق.
والخلاصة أن حالهم ليست حال من يعتقد أن الله - تعالى - خالق الوجود وحده سبحانه؛ لأنهم يشركون بل يفردون الأوثان بالعبادة.
ولذا أمر الله - تعالى - نبيه أن يؤكد
أنه - سبحانه وتعالى - خالق كل شيء وحده، ولذا قال – تعالى - :
قل الله خالق كل شيء الله - تعالى - هو الخالق لكل شيء
وهو الواحد القهار أي الواحد الأحد الفرد الصمد القاهر الغالب لكل شيء، وهنا إشارة بيانية وهي قوله – تعالى- :
أم جعلوا لله شركاء معناها أن ذلك مثل جعلوه، وزعم زعموه، وهو أنهم شاركوا الله في الخلق، ولم يستطيعوا تمييز عمل أوثانهم عن عمل الله، فتشابه الخلق عليهم، ولم يميزوا بينها.
وإن ذلك الفرض أخذ من حالهم في عبادة الأنداد مع إقرارهم بأن الله - تعالى - خالق كل شيء - سبحانه وتعالى - .