[ ص: 3960 ] قال الله تعالى:
مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنـزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب وكذلك أنـزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق
بين الله تعالى
نعيم الجنة مقارنا بعذاب النار، فقال:
مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار المثل الحالي أو الوصف القريب الذي يسترعي الأفكار والأنظار، والمعنى حال الجنة العجيبة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، تجري من تحتها الأنهار، فتكون متعة النظر، ومتعة النفس، ومتعة النسيم العليل، ومتعة الراحة، والظل الظليل، ومثل مبتدأ خبره جملة تجري من تحتها الأنهار، ويصح أن يكون الخبر مصدرا، تقديره مثل الجنة كجنة تجري من تحتها الأنهار، وفي ذلك معنى تحقق التشبيه بذكر المشبه والمشبه به،
أكلها دائم أي ثمر مستمر، من ثمر نخيل ورمان،
وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وغير ذلك من الثمار.
وظلها وهو معطوف على (أكل)، أي أن ظلها دائم مستمر، ليس فيها حر لافح، لا ينسخ ظلها بشمس.
ثم يقول تعالى:
تلك عقبى الذين اتقوا الإشارة إلى الجنة بأوصافها الثلاثة المذكورة، من أنها تجري من تحتها الأنهار، فتنعم النفس بالمنظر الجميل،
[ ص: 3961 ] والنسيم العليل، والمنظر البهيج، ومن أن ثمراتها دائمة لا تنقطع، فتنعم بحياة دائمة، ونعيم مقيم، ومن أنها ظل دائم مستمر، وتلك مبتدأ خبره
عقبى الذين اتقوا أي نهاية الذين اتقوا انتهوا إليها، وذكر الموصول للإشارة إلى أن الصلة - وهي التقوى - علة تلك العاقبة الحميدة في ذاتها.
ولقد ذكر في مقابل هذه النهاية الحلوة المرتبة عاقبة الكفر والأشرار، فقال:
وعقبى الكافرين النار أي نهاية الكافرين الذين كفروا بالله وبآياته، وبنعمه النار يلقون فيها، وهي دائمة،
كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب
والتعبير بـ (عقبى) في جزاء الأشرار والأبرار للإشارة إلى أنه جزاء أعقب عملا إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، والله تعالى لا يظلم العباد، وهم الذين يظلمون أنفسهم، وله إرادة مختارة، وعقل مدرك، وإذا كانت الأعمال غير مستوية، فالعقبى غير مستوية، فقال تعالى:
لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون