وقد أشار سبحانه وتعالى إلى بعض ما ينزل بهم من وعده الذي أنذرهم به.
أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في معنى ذلك النص الكريم: " أو لم يروا أنا نفتح
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - الأرض بعد الأرض، ونقصان الأرض من أطرافها اقتطاعها جزءا جزءا من سلطانهم، وذلك بحروبهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم ، وإن عذاب الله تعالى الذي ينزله في
[ ص: 3970 ] الكافرين جزاء كفرهم يكون بأحد أمرين، إما اجتثاثهم من الأرض، وأخذهم من حيث لا يحتسبون بريح عاصف أو بخسف يجعل عالي ديارهم سافلها، أو بطرق يحيط بهم فلا يبقي ولا يذر، وحيث لا يكون من أصلابهم من يعبد الله، وقد أوقع الله تعالى هذا بالذين بعث فيهم الأنبياء قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من
نوح وهود، وصالح، وشعيب.
والأمر الثاني: أن يكون ذلك بالمغالبة، يقاتلون، فيقتلون، ويقتلون، والعاقبة للمتقين، وإن ما نزل بمشركي
مكة واليهود كان من الثاني لا من الأول، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" إني لأرجو أن يكون من أصلابهم من يؤمن بالله واليوم الآخر ".
ويقول تعالى:
أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها الاستفهام إنكاري لإنكار الوقوع بمعنى النفي، ونفي النفي إثبات، فالاستفهام الإنكاري داخل على (لم) والمعنى التنبيه على ما هو واقع بهم، والواقع أنهم يرون أن الله أتى الأرض ينقصها من أطرافها عليهم، وإسناد الإتيان للأرض إلى الله تعالى للدلالة على أن الله تعالى مع جيش المسلمين الذي يأتي الأرض التي لهم النفوذ والسلطان فيها، ويتلاقون مع سكانهم في الشرك الذي يجمعهم و(ننقصها) نأخذها جزءا فجزءا من دائرة الكفر، حتى تضيق حوزتهم، وتضيق الدائرة عليهم شيئا فشيئا حتى يحيط بهم، ويصلح الرسل من الأرض، وكذلك كان الأمر، فقد كانت الغزوات والسرايا تنزل بالمشركين وقد ذهبت إلى ما حول
مكة وأطراف
الجزيرة داعية إلى الله تعالى مجاهدة، فكانت الأرض تنقص من نفوذهم من أطرافها، بسببين:
أولهما: وهو أن دعوة الإسلام تدخل إلى قلوبهم من يسري إليهم ثلة من جنود المسلمين، وفي ذلك نقص من سلطانهم، وخروج من نفوذ
مكة وأهلها.
ثانيهما: أنه يقتل من المشركين عدد، وإن لم يكن كثيرا، إلا أنه يبعدهم عن
مكة وأهلها.
[ ص: 3971 ] وإن إتيان الله للأرض إتيان لقوة الله، قوة الحق والإيمان فهو سبحانه يأتي القلوب فتزمن ويعمرها بالإيمان، وكل عمران بالإيمان، نقص للأرض من سلطان الكفار.
وإذا دخل الإسلام أرضا كان هو الحكم وحده، لا معقب لحكمه، أي لا يخرج منه ويجيء عقبه حكم غيره، فالإيمان الصادق إذا دخل النفوس لا يخرج منها لأنه يكون به سكونها واطمئنانها وقرارها.
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري، وهو ابن نجدتها
لا معقب لحكمه لا راد لحكمه، والمعقب الذي يكر على الشيء فيبطله، وحقيقة الذي يعقبه بالرد والإبطال، ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يعفي غريمه بالاقتضاء والطلب؛ لذا قال
لبيد: "
طلب المعقب حقه المظلوم
"، والمعنى أنه حكم للإسلام بالغلبة والإقبال، وعلى الكفر بالإدبار والانتكاس.
ومعنى قوله تعالى:
والله يحكم أي الله وحده يكون الحاكم للنفوس، وليست الأهواء المتحكمة، ولا قهر الأقوياء للضعفاء، إنما هو الرحمة والعدل، ولا حكم يتعقبه.
ويكون للذين كانوا يسيطرون الحساب، وإنه لقريب، وإنه لسريع؛ ولذا قال تعالى:
وهو سريع الحساب أي أن الحساب آت لا ريب، وكل آت فهو سريع، لأنه مؤكد الوقوع، وعدد السنين والشهور لا قيمة له ما دام مؤكد الوقوع، وما يكون سريع الحساب يكون شديدا؛ لأنه يفاجئ المنكرين من حيث لا يحتسبون؛ ولأن سرعة الحساب يكون لأجل غرض العقاب، ولتحقيق معنى الجزاء، وذلك يكون على قدر ما ارتكب المسيء، والله عزيز ذو انتقام.