معاني السورة الكريمة
قال الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
الر كتاب أنـزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم [ ص: 3981 ] تكلمنا في هذه
الر وذكرنا أنها من المتشابه الذي اختص به علم الله تعالى، وأشرنا إلى بعض ما نحاول أن نتعرف به الحكمة في وجوده، وما كان من الله ما يسوغ أن يوصف بأنه جاء لغير حكمة وإن خفيت على العقول جلها أو كلها. وهذه الحروف إذا جاء بعدها ذكر الكتاب كانت مبتدأ والكتاب خبره، وهي هنا كذلك، فقوله تعالى: (الر) مبتدأ خبره (كتاب) ، ويكون الابتداء فيه إشارة واضحة إلى أن هذا الكتاب مكون من تلك الحروف التي يتكون منها كلامكم، ومع ذلك عجزتم عن أن تأتوا بمثله، فلا يدل هذا على أنه من عند أمثالكم من البشر، بل من عند خالق البشر، ويرشح لذلك كون الكتاب خبرا لهذه الحروف.
و
كتاب التنكير فيه للتعظيم، والمعنى كتاب عظيم الشأن لا يدرك كنهه ولا تحيط به أفهام البشر، إلا إذا كان ذلك بتوفيق من الله، وما يعلم تأويله إلا الله، وأضف إلى ذلك ما يقوي مكانته أو يحققها، وهو أمران ذكرهما الله تعالى:
الأمر الأول: أنه أضافه إلى الله تعالى على أنه نازل من لدنه في سموه سبحانه، إلى منتهاه في نزوله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا هو قوله تعالى:
أنـزلناه إليك وبالإضافة إليه سبحانه بضمير الجمع؛ لأنه الضمير العائد إلى الله خالق الوجود كله، عاقله وغير عاقله، إنسه وجنه، وهو الحكيم الخبير.
الأمر الثاني الذي يكشف عن عظمة الكتاب: وهو شرف ذاتي فوق شرفه الإضافي بالنسبة إلى الله تعالى، وهو أنه يخرج الناس - إذا أدركوه - من ظلمات الضلال إلى نور الهداية وذلك بتبليغ
محمد - صلى الله عليه وسلم - له، وهذا هو قوله:
لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم فهذا النص السامي يدل على أن القرآن هاد ومرشد يخرج به النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس من الضلال إلى الهدى بإذن الله، ففي ذلك ثلاثة معان: أولها: أن الضلال كالظلمة، وثانيها: أن الهداية كالنور، وثالثها: أن الأمور كلها بتوفيق من الله، فمن سلك سبيل الهداية وصل إلى الغاية، ومن سلك طريق الضلال وصل إلى نهاية الضلال البعيد.
[ ص: 3982 ] وعلى ذلك ففي التعبير بالظلمات والنور استعارة، تشبيه الضلال بالظلمة؛ لأن السائر فيها كالسائر في ظلام لا يعرف طريقه فيكون في حيرة دائمة لا ينتهي فيها إلى حق واضح ولا إلى طريق لاجب، وشبهت الهداية بالنور، لأن من هداه الله تعالى يكون في نور يعرف به طريقه الهادي المرشد إلى أقوم طريق وأهدى سبيل.
وقد عرف الله سبحانه وتعالى بالبيان إلى أن النور صراط الله العزيز الحميد.
الصراط: الطريق المستقيم، وهو أقرب طريق للوصول إلى الحق، وهو في هذا الوصف العظيم مضاف إلى الله تعالى فيزداد شرفا وتكريما، وهو صراط العزيز الذي لا يقهر، وهو فوق كل شيء والغالب على كل أمر وحده، ومن سلك طريق الحميد، فإن العاقبة فيه محمودة، فهو محمود في ذاته ومحمود في غايته ونهايته.
ومن سلك غيره ذل، ولا يحمد العاقبة، والعاقبة هي السوءى.