المآل هو العذاب والخيبة
قال تعالى:
واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز [ ص: 4008 ] (استفتحوا) طلبوا الفتح والنصر، والضمير يعود إلى الرسل، أي أن الرسل بعد أن اطمأنوا إلى وعد الله تعالى لهم بأنه مهلك الظالمين بسبب ظلمهم تقدموا لمنازلة المشركين، واستفتحوا كما كان يستفتح النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل غزوة يغزوها، والفتح هو النصر، أي يطلبون النصر من الله تعالى، ويصح أن يكون طلب الحق بأن يفصل بين الحق والباطل، كما قال الله تعالى:
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين
ويقول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري: إنه يكون مشتقا من الفتح بمعنى الحكم.
وقوله تعالى:
وخاب كل جبار عنيد بيان لنتيجة المعركة التي استفتح لها الرسل، والواو للعطف على فعل محذوف، تقديره: وفتح الله تعالى للرسل بأن نصرهم أو حكم لهم وخاب كل جبار عنيد، والكلية هنا معناها أن المتكبرين على الحق الجبابرة الذين يعتدون ويلجون في الباطل، ولا يصغون إلى حق من أي مكان، مآلهم الخيبة، والخسران المبين! وذلك لأن الجبار يستعلي فيظلم، ولا نصر لظالم، والعنيد يركب رأسه، فلا ينصت لداع يدعو إلى التأمل وتعرف عواقب الأمور، فلا يرى إلا ما يكون بين يديه من أمور ظاهرة لا يتعرف ما وراءها، ويقول دائما مقالة
فرعون: ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد
ولقد قال بعض السلف: إن الضمير في قوله تعالى:
واستفتحوا يعود إلى الظالمين، أي الظالمين مع ظلمهم وطغيانهم يطلبون النصر، وذلك منهم إمعان في الضلال الفكري؛ إذ حسبوا ما عندهم خيرا يجيز لهم أن يستفتحوا من أجله.
[ ص: 4009 ] وقال بعض السلف: إن الاستفتاح كان من الفريقين فريق الحق وفريق الضلالة، وفتح الله للمؤمنين وخاب الكافرون، وعبر عنهم بكل جبار عنيد للإشارة إلى سبب الخيبة، وهو الاستعلاء بالباطل واللجاجة فيه، ويقول تعالى فيما يستقبل كل جبار عنيد من عذاب أليم: