[ ص: 4035 ] دعاء أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام
قال تعالى:
وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء
هذا دعاء أبي العرب ومن يتشرفون بالانتساب إليه وهو باني البيت، وأول دعائه ما يتعلق بالبيت العتيق الذي كان أول بيت وضع للناس.
أول دعائه اتجه إلى الأرض في
البيت، رب اجعل هذا البلد آمنا والبلد هو
مكة المكرمة، زادها الله تعالى تشريفا، وقوله تعالى:
آمنا أي ذا أمن؛ لأن الأمن للسكان لا للمكان، ومعنى الأمن لا اعتداء فيه، ووصف المكان بالأمن فيه بيان سيادة الأمن، فالمكان لا اعتداء فيه، وهو مقدس، وقد أجاب الله تعالى دعاءه وكان فضلا من الله على
العرب، كما قال تعالى:
أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون [ ص: 4036 ] والجزء الثاني من الدعاء أنه دعا ربه مبتهلا إليه أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام فقال تعالى حاكيا دعاءه:
واجنبني وبني أن نعبد الأصنام دعا - صلى الله عليه وسلم - لنفسه ولبنيه أن يجنبهم عبادة الأصنام، فقوله تعالى:
أن نعبد الأصنام فيه (أن) وما بعدها مصدر وهو عبادة الأصنام، وذكر الفعل المضارع لتصوير عبادة الأصنام، وفى ذلك إشارة إلى قبحها وبعدها عن العقول.
وقول
إبراهيم: (وبني) واضح أنه لا يشمل الذرية كلها لدلالة اللفظ على ذلك؛ ولأن الإجابة لم تكن للذرية كلها، فقد كان من هذه الذرية من عبد الأصنام، بدليل هؤلاء الذين نظر فيهم القرآن، وخاطبهم
محمد - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم إلى أن يعبدوا الله وحده لا يشركون به شيئا، فالله تعالى لم يكن في إجابته سبحانه وتعالى ما يعم الذرية كلها.
ولقد كان
إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - الذي كان أبوه صانع أصنام، والذي ابتدأ حياته بحطم الأصنام، والذي قال:
وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم