[ ص: 4064 ] معاني السورة الكريمة
قال الله تعالى:
الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون وقالوا يا أيها الذي نـزل عليه الذكر إنك لمجنون لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ما ننـزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين إنا نحن نـزلنا الذكر وإنا له لحافظون
تكلمنا في الحروف المفردة، وقلنا: إننا لا نعلم على التحقيق المراد منها، وإنها من المتشابه التي اختص الله بعلمه، واتباع المتشابه ابتغاء تعرفه من صنيع أهل الزيغ:
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة وقلنا: إننا نتعرف حكمتها، ولا نتعرف المراد، وأشرنا إلى أنها سيقت لتذكير
العرب بأن القرآن مكون من الحروف التي تعرفونها، ومع ذلك عجزتم عن أن تأتوا بمثله، وهذا العجز دليل أنه من عند الله؛ ولأن
العرب كانوا قد اتفقوا على ألا يسمعوه أو يلغوا فيه إذا سمعوه، فكانت السور تبتدئ بتلك الحروف الصوتية فتنبههم فينقضون ما اتفقوا، وقيل: إنها أسماء للسور، أو للكتاب.
[ ص: 4065 ] وجاء بعد هذه الحروف في السورة ذكر الكتاب الكريم، فقال تعالى:
تلك آيات الكتاب وقرآن مبين الإشارة إلى السورة، أو إلى المتلو بعد هذه الحروف، والكتاب بمعنى المكتوب، وقد وصفت الآيات بوصفين؛ أولهما: أنها آيات الكتاب؛ لأنها معجزة بذاتها، فكل آيات من القرآن معجزة تعد من الكتاب المعجز؛ ولذلك كان يتحدى بالقرآن قبل تمام نزوله، وقد وصفت الآيات بأنها مكتوبة، ووصفت بأنها مقروءة متلوة، ولذلك جاء معطوفا على الكتاب قوله تعالى:
وقرآن مبين أي مقروء كريم، لأنه نزل مقروءا من الله، ولأنه محفوظ، ولأنه سجل الشرائع السماوية، ولأنه المحفوظ الخالد إلى اليوم، فالكتاب الكريم يوصف بأنه مكتوب، ويوصف بأنه مقروء، لأن طريقة تلاوته من عند الله تعالى، فقد أوحي إلى الرسول فكتب وحفظ، وقرئ وحفظ متلوا كما قال تعالى لنبيه:
لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه
فالقرآن متواتر بكتابته وبقراءته وبتلاوته، فكان حفظه في الصدور مانعا من تحريف السطور، تلقى الناس القرآن فآمن قليل، وكفر كثير، وقد رجا المؤمنون ما عند الله وطغى المشركون، وبغوا واعتدوا وفتنوا الناس عن دينهم،