وإن أسباب انحصار الألوهية في ذاته العلية هو أنه وحده خالق السماوات والأرض ومانح النعم؛ ولذا قال تعالى:
خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون .
أنشأ الله السماوات والأرض بالحق أي بالأمر الثابت والنظام المحكم، ربط بين أجزاء السماء بسر الوجود فكل نجم في مداره، وبروجها ثابتة لا تتغير وتسير إلى مستقرها وتتحرك في مدارها وكل شيء يجري بحسبان في السماء والأرض بطبقاتها، وما أودع باطنها من فلزات وأحجار، وعروق المعادن، والجبال
[ ص: 4131 ] الراسيات، والبحار التي تجري الفلك فيها ماخرات عبابها، والأنهار والأمطار تنبت الزرع، وتأتي بالثمار، هذا ما يشير إليه؛ لذا كان سبحانه وتعالى قد خلقها بذلك الإحكام وبذلك النظام الثابت الذي لا يتخلف، وأنه سبحانه وتعالى هو الذي يمسك السماوات والأرض، فهو سبحانه وتعالى المتعالي عن الشركاء؛ ولذلك قال الله تعالى:
عما يشركون تسامى في ذاته عن أن يكون له شريك، لأنه ليس كمثله شيء قط، فهو المنفرد بالخلق والتكوين والإنشاء.
وقوله سبحانه:
تعالى عما يشركون كانت هذه الجملة مفصولة عما قبلها، لتمام الاتصال فإن تمام الاتصال يوجب فصل الجملتين، كما يوجبه كمال الانفصال، إذ الجملة الأولى سبب للثانية، فإن الخلق للسماوات والأرض سبب لكمال العلو عن المثل والشريك.