بعد ذلك بين النعم العادية الداعية إلى الشكر لمن أراد الحق وسلك سبيله، فقال تعالى:
هو الذي أنـزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون .
الضمير يعود إلى الله جل جلاله؛ لأنه حاضر دائما، ولأنه المتحدث عنه في القرآن دائما، ولأن القرآن كتابه، فهو منه والقرآن هو الذكر الحكيم.
[ ص: 4139 ] الماء هو الصلة التي تصل السماء بالأرض فمنها ينزل المطر إلى الأرض، وقد ذكر سبحانه وتعالى نعمتين جليلتين فيه:
أولاهما - أن منه الشرب، وري الأبدان، وقد عبر سبحانه بقوله تعالى:
لكم منه شراب وقال سبحانه:
لكم منه شراب أي أن الماء لكم منه شراب، تشربونه وتدفعون به العطش، وعبر سبحانه بقوله تعالى لكم منه شراب ليشمل شربه ريا وسقيا، ويشمل اتخاذه محلى بمادة من مواد الحلوى، وليشمل الشراب الذي يكون من النبات والكروم غير المتخمر، فإن الماء أصل ذلك كله.
وثانيتهما - أن " منه شجر فيه تسيمون " ، والشجر يطلق على كل نبات سواء كان زرعا ينتج حبا متراكبا، أم كان غرسا، لكل ذلك يسمى، وقد ذكر
البيضاوي شعرا في ذلك، وهو:
يعلفها اللحم إذا عز الشجر والخيل في إطعامها اللحم ضرر
فالشجر الذي يعز في علف الخيل هو الزرع لا الغراس ومعنى قوله تعالى:
تسيمون من أسام الماشية إذا رعاها، وجعلها تطلب أماكن الكلأ والرعي، وأصلها من المسومة، وهي العلامة التي تكون قطع الكلأ ورعي النعم له.
وإن هذه بلا ريب نعم تستحق الشكر، فهل تشكرون.