وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم .
بين الله سبحانه وتعالى كيف سوى عبدة الأوثان بين المنعم والأوثان، وبين الخالق والمخلوق، وأنهم قد تجاوزوا المعقول وغفلوا عن الفطرة، فبدل أن يشكروا النعمة كفروها.
وقد ذكر سبحانه وتعالى بعد ذلك أن نعم الله تعالى أكثر من أن يضبطها العد والإحصاء، وأنها واجبة الشكر على قدر الطاقة فإن ما لا يحصى لا يعلم للإنسان، ولا يستطيع الشكر إلا من يعلم، ويقدر ما يعلم.
[ ص: 4151 ] وإن تعدوا أي إذا أردتم أن تعرفوا نعم الله بالعدد لا تحصوها، ولا تضبطوها، ففي كونك في بطن أمك في نعمة، وفي غذائك وأنت في الغيب المكنون في نعمة، وفي تنقلك في بطن أمك من نطفة إلى علقة فمضغة مخلقة وغير مخلقة في نعمة، وإذا خرجت إلى الوجود وجعل لك السمع والأبصار والأفئدة في نعم، وإذا سخر لك الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم فأنت مغمور في نعم، وهكذا في كل حياتك أنت في نعم الله تعالى، وهو القيوم عليك.
وإذا كانت معرفة هذه النعم لا تبلغها طاقتكم، فأنتم أحرى بألا تبلغ طاقاتكم شكرها؛ ولذا قال تعالى بعد بيان أن الناس لا يستطيعون إحصاء نعمه عليهم:
إن الله لغفور رحيم أكد سبحانه مغفرته ورحمته، فكانت المغفرة من الرحمة، إذ إنه سبحانه لا يطالبكم بالشكر إلا فيما تعرفون وما تطيقون وفيما تعرفون يعفو عن كثير سبحانه وتعالى، وقد أكد سبحانه هذين الوصفين الجليلين أولا بـ (إن) المؤكدة وبصيغة المبالغة وباللام، والله على كل شيء قدير.