ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا .
(لولا) يقول علماء اللغة: إن (لولا) حرف امتناع لوجود، أي امتناع الجواب لوجود، أي امتنع أن تركن إليهم لوجود التثبيت، أي أن إغراءهم لتعدل عن دعوتك دائم مستمر، ولكن لا جدوى لأن تثبيت الله دائم مستمر.
وإن هذا يفيد أمورا ثلاثة:
الأمر الأول: تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على الاستمرار على دعوته الحق غير مباليهم في شيء وأن يصر على قوله، ولا يتهاون قيد أنملة فيما يدعو إليه.
[ ص: 4432 ] الأمر الثاني: أن الله مؤيده في الحق وفي دعوة الحق المستمرة والله تعالى عاصمه منهم نفسيا وماديا، فهم لا ينالون من جسمه ولا يمكن أن ينالوا من نفسه، فالله معه، وحامي الحق.
الأمر الثالث: أن إرادتك هدايتهم لا يصح أن يأتوك من قبلها.
وقد أكد الله تعالى أن إغواءهم من شأنه أن يميل إليهم، ولكن
محمدا في عصمة ربه وتثبيته، والله تعالى يثبت القلوب كما يثبت الألسنة:
يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء
ويقول:
لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا
أكد سبحانه أنه كاد يميل إليهم، وكان التأكيد باللام وبقد، ولكنه وصف الكيدودة بأنها شيء قليل لم تمل معه النفس، وكان تأكيد الميل لقوة الإغراء وقوة ما يحاولون أن يميل قلب النبي صلى الله عليه وسلم -، و (تركن) معناه تميل، ولم تكن استجابة ولكن مظنة الاستجابة لولا عصمة الله تعالى.