قدرة الآيات والكفر بها من المشركين
قال الله تعالى:
أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا قال لقد علمت ما أنـزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا [ ص: 4465 ] أنكروا الإيمان باليوم الآخر، وعجبوا من أن يعادوا خلقا جديدا، وقد صاروا عظاما ورفاتا، وأنكروا أن يكون القرآن معجزة، وطلبوا معجزات حسية محادة لله تعالى، ولتكون معجزته صلى الله عليه وسلم كمعجزات الأنبياء السابقين فرد الله قولهم في الأمرين، ففي الأمر الأول أشار إلى قدرته على خلق أمثالهم، وأن قدرة الله واسعة، وفي الأمر الثاني ذكر الله تعالى قدرته أنه أعطى
موسى تسع آيات بينات، وقد قال
فرعون بعد أن رآها، وعاينها آية بعد آية:
إني لأظنك يا موسى مسحورا
قال تعالى في الأمر الأول:
أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم (الواو) عاطفة على فعل مقدر بما يناسب الكلام، وتقديره أقالوا ذلك ولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم، والاستفهام داخل على لم يروا، ومعناه النفي مع التنبيه، يعني قد قالوا قولهم، وقد رأوا أن الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم، وإذا كان قادرا على أن يخلق مثلهم، فبالأولى وهو قادر على أن يعيد بعضهم أو كلهم، فهذا إثبات لإعادتهم خلقا جديدا بطريق دلالة الأولى، ذكر مقدم الدليل، وترك لهم أن يأخذوا التالي من المقدم.
وقوله تعالى:
وجعل لهم أجلا لا ريب فيه (الواو) عاطفة (جعل لهم أجلا) على (خلق السماوات والأرض) . . . فهو جعل لهم أجلا ينتهي ولا يتغير في نهايته،
فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون فمعنى
لا ريب أنه لا شك فيه؛ لأنهم يرون الناس ينتهون ولا يخلدون، ولا ريب فيه أيضا؛ لأن الله أخبر أن له نهاية ينتهي إلى أجل مسمى، فالنجوم مسخرات لأجل مسمى، وقد قدم سبحانه وتعالى قوله:
[ ص: 4466 ] قادر على أن يخلق على قوله
وجعل لهم أجلا للمبادرة بالنتيجة قبل أوصاف الفعل الأول، لأنها ثابتة بالرؤية والحس، وكل ما في الوجود له دور ينتهي عنده، فالليل والنهار في ميقاته، والشمس والقمر يظهران كل في ميقاته.
والأجل الذي يذكره الله تعالى أجلان: أحدهما أجل يرى ويحس، وهو أفول النجوم والكواكب ونحوهما بالنسبة لكل ما تراه في السماء ذات البروج، والموت بالنسبة للإنسان والأحياء بشكل عام، وهو أجل تراه ينتهي كل يوم، والأجل الثاني هو أجل هذه الدنيا فإنها إلى أجل محدود هو يوم القيامة، وقد أقام القرآن الأدلة القاطعة على نهاية هذا العالم، وهو أيضا لا ريب فيه، لقيام الأدلة بالنقل والعقل على أن الدنيا إلى فناء وبعدها الآخرة.
ومع قيام هذه الأدلة القائمة الثابتة لم يؤمن أكثر الناس، ولذا قال تعالى
فأبى الظالمون إلا كفورا الفاء هنا للترتيب والتعقيب، وهي بهذه الدلالة فيها توبيخ لهم على كفرهم، لأن مؤدى القول أنه كان يترتب على هذا النظر والعلم الذي لا ريب فيه أن يؤمنوا، ولكنهم بدل ذلك كفروا كأنهم يرتبون على الحكم المؤيد بالدليل نقيضه، والناس هنا أهل
مكة أو الناس جميعا، فإن أكثر الناس لا يذعنون للحق إذا تبين،
فأبى أي لم يرتب على ذلك أكثر الناس
إلا كفورا أي إلا كفرا بهذه الحقائق البينة، فـ (كفورا) معناه كفر ملح لاح في الكفر، فزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى.
هذه حقائق ونتائجها في قلوب الكافرين، وهي عند الله أوسع وأعظم هم يضيقون مدلول الآيات التي تحت أيديهم، والله يريد أن يوسعوا عقولهم وتفكيرهم، ولا يقترون في مداركهم،