واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا [ ص: 4522 ] / كان المشركون يتبرمون بضعاف المؤمنين؛ ويقولون - كما قال أسلافهم
لنوح - عليه السلام -:
وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ؛ وكانوا في عنجهية الشرك وطغوائهم؛ قالوا عن أتباع
محمد - صلى الله عليه وسلم - من الموالي والضعفاء؛ متقززين: إن هؤلاء تفوح منهم رائحة الضأن؛ فبين الله (تعالى) فضل هؤلاء؛ وأنهم أتباع النبيين؛ الذين بهم يقوم عمود الدين؛ ويكونون العصابة الأولى التي تكون قوته؛ وأنه يجب
على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحبس نفسه عليهم؛ ويصبر نفسه عليهم؛ محتسبا ذلك عند الله; ولأنهم القوة والدعامة؛ فقال (تعالى):
واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي أي: احبس نفسك؛ واجعلها تصبر على معاشرتهم؛ وملازمتهم؛ فإنهم قوة الحق؛ وقوة الإيمان؛ وسيكون منهم الدعامة؛ والنصرة؛ وسيركبون بالحق على رقاب هؤلاء؛ كما سيكون في "بدر "؛ ويركب
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود على رقبة
أبي جهل؛ يحتزها.
وعبر بالموصول; لأن الصلة - وهي قوله (تعالى):
يدعون ربهم بالغداة والعشي - هي السبب في التزامهم؛ وحبس نفسه عليهم; لأنهم بهذا هم الذين أجابوا الدعوة؛ وهم يعبدون الله بالغداة والعشي؛ وهم لا يريدون جاها؛ ولا مالا؛ ولا سلطانا؛ ولكن يريدون وجه الله؛ لا يريدون سواه؛ فهم قد انصرفوا إليه - سبحانه -؛ وهم بذلك قد صاروا ربانيين؛ خالصين لله (تعالى)؛ ثم قال - سبحانه - بعد أن أمره بأن يكون قريبا منهم:
ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا أي: لا تقتحمهم عينك؛ وتجاوزهم؛ معرضا عنهم؛ تريد الذين يتزينون بزينة الحياة الدنيا؛ أي تعدوهم عيناك بأسمالهم؛ وفقرهم؛ تريد من عندهم زينة الحياة الدنيا؛ وهذا النهي يتضمن أمرين؛ الأمر الأول: الحض على تكريم هؤلاء الضعفاء؛ ومعاونتهم؛ وإعزازهم؛ والاعتزاز بهم؛ الأمر الثاني: أن يجعل عينيه تظهر فيها مظاهر الإكبار؛ لا مظاهر الازدراء؛
ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه [ ص: 4523 ] إذا كان قد أمره بأن يتطامن لأولئك الذين يعبدون ربهم بالغداة والعشي؛ يريدون وجهه؛ وأن يقبل عليهم إقبال المقرب المدني؛ فقد نهاه عن الذين يغفلون عن ذكر الله؛ نهاه عن طاعتهم؛ بطرد الأطهار الأبرياء؛ الذين لا يعبدون الأوثان؛ وقوله (تعالى):
أغفلنا قلبه عن ذكرنا أي أنه لغروره وفساد نفسه شغل قلبه بالدنيا؛ وما فيها؛ وأغفله الله (تعالى) عن ذكره؛ وإذا فرغ القلب من ذكر الله (تعالى) سكنه الشيطان; ولذا قال (تعالى) - بعد إغفال ذكر الله -:
واتبع هواه أي: غلبه هواه؛ وصار عبدا لشهواته؛ ومن كان كذلك انحلت نفسه; ولذا وصفه - سبحانه - وصفا يفيد الانحلال النفسي؛ فقال:
وكان أمره فرطا أي أنه كان أمره منحلا؛ مضطربا؛ لا ضابط يضبطه؛ ولا خلق يكبح جماحه؛ فهو مهمل؛ مضيع؛ مسرف في كل أحواله.
الحق بين وكل له جزاؤه
قال الله (تعالى):