وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا أي أنهم في هذا المحشر الذي حشروا فيه لم يكونوا مجهولين؛ أو أن الازدحام جعلهم غير معروفين؛ بل إنهم كانوا مع هذا الجمع الحاشد معروفين؛ مميزين عند رب العالمين؛ الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض؛ ولا في السماء؛
ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ؛ بل إنهم عرضوا صفا؛ كما يعرض الجنود صفوفا متراصة أمام قائدهم؛ يلقي إليهم أوامر؛ فكذلك صفهم الله (تعالى) صفوفا متميزة؛ مقرا لهم بأنه يعلمهم؛ يذكر الله لهم بلسان ملائكته؛ أو إن حال الموقف كأنهم يخاطبون بالقول:
ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول [ ص: 4541 ] مرة أكد - سبحانه وتعالى - مجيئهم باللام؛ و "قد "؛ وأنهم معاينون؛ وقوله (تعالى):
كما خلقناكم أول مرة فيه إشارتان؛ الإشارة الأولى: أنهم يجيئون مجردين من كل نسب؛ وحال من أحوال الدنيا؛ التي كانوا بها يتفاخرون؛ من مال؛ ونفر؛ وهيل وهيلمان وسلطان؛ والإشارة الثانية: إشارة إلى قدرة الله الكامل؛ المسيطرة؛ وأنه أعادهم كما بدأهم؛
كما بدأكم تعودون ؛ وقوله (تعالى):
بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا الإضراب هنا بـ "بل "؛ معناه الإضراب عما كانوا عليه في الدنيا؛ وإثبات الواقع المقرر الذي يرونه؛ و "زعمتم "؛ أي: ظننتم بزعمكم؛ لا بالحقيقة الثابتة؛ "أن "؛ هي المخففة من الثقيلة؛ واسمها ضمير الشأن؛ أي أنهم زعموا نفي البعث بنفي أن الله (تعالى) جعل لهم موعدا يبعثون فيه؛ ويحاسبون على ما قدموا من خير؛ وشر؛ وأنه سيجيء معهم كتاب أعمالهم؛ لم يغادر صغيرة؛ ولا كبيرة؛ وقال (تعالى):