بعد هذا النهي الصريح القاطع عن عبادة الأوثان؛ وذكره أن عبادتها عبادة للشيطان؛ لأنه هو الذي وسوس بها؛ ذكر ما يخاف على أبيه؛ وذلك استمرار في الحنان والعطف على أبيه؛ فقال (تعالى) - عنه -:
يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا [ ص: 4650 ] / ناداه أيضا نداء المتلطف المتحبب المدني ما بينهما: "يا أبت "؛ قال - مفرطا في شفقته؛ وإن لم يكن في شفقة الابن على أبيه إفراط قط؛ وخصوصا في مقام الحرص على نجاته - قال:
إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن هنا إشارات بيانية؛ إذ الظاهر إصابته بالعذاب المقرر للمشركين؛ وهو أن يدخل الجحيم؛ ولكنه أولا عبر بالمس؛ وكأنه لا يريد التهويل على نفسه؛ وعلى أبيه؛ بأنه سيصيبه العذاب لذلك الشرك؛ والشرك ظلم عظيم؛ هذه هي الأولى؛ أما الثانية فأنه ذكر أن العذاب كان من الرحمن؛ إنه كان ممن من شأنه الرحمة؛ ولكنه آثر الطريق المعوج؛ فكان العذاب؛ والثالثة أنه يخشى عليه من أن ينهمك في المعاصي فيكون وليا للشيطان في الدنيا؛ ويكون قرينا له في الآخرة؛ وكأنه كان مخيرا بين ولاية الرحمن؛ ورحمته؛ وشقوة الشيطان وولايته؛ فاختار ولاية الشيطان؛ وصار وليه؛ وساء قرينا.
وكانت عبارته في التخويف في أدب؛ ولم يصرح بالعقاب الشديد؛ وإن نبه إليه في شدة؛ بأنه سيكون ولي الشيطان وقرينه؛ وبئس ولايته؛ وأن يكون له قرينا.
أجاب أبوه إجابة المحنق المغيظ لمحاولته ترك عبادة الأوثان؛ وملته وملة آبائه؛ فقال - كما قال (تعالى) عنه -: