فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا الضمير في "يسرناه "؛ يعود إلى القرآن; لأنه حاضر في قلوب المؤمنين؛ يملأ أجواءهم بعطره؛ ونوره؛ فلا يحتاج إلى ذكر معين سابقا; لأنه مذكور دائما؛ حاضر في القلوب؛ لا يغيب عنها؛ والفاء للإفصاح; لأنها تفصح عن شرط مقدر؛ تقديره: إذا كانت حجتك الكبرى هذا القرآن العظيم؛ فإنما يسرناه بلسانك العربي؛ وسهلناه على كل عربي يقرؤه من غير عوج؛ ولا عجمة فيه؛ ولا إبهام؛ لتبشر به المؤمنين الذين يدخل الإيمان قلوبهم; لأنهم يذعنون للحق إذا جاءهم؛ والناس أقسام ثلاثة؛ القسم الأول: قسم آمن بالحق؛ إذ جاءهم؛ كأولئك الذين كانوا خلية الإيمان الأولى؛ من أمثال
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر ؛
nindex.php?page=showalam&ids=115وبلال ؛
nindex.php?page=showalam&ids=52وصهيب ؛
nindex.php?page=showalam&ids=138وزيد بن حارثة .
والقسم الثاني: قسم قلبه منفتح للحق؛ يجيب داعيه؛ ويحضر ناديه؛ وهؤلاء ومن سبقهم هم الذين يبشرهم القرآن بالجزاء الأوفى.
والقسم الثالث: اللد؛ وهم الذين يجادلون بغير الحق؛ وهؤلاء ينذرهم القرآن الإنذار الشديد؛ لكيلا يكون لهم عذر في كفرهم؛ ولتقوم الحجة عليهم؛ كما قال (تعالى):
وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ؛ وقال (تعالى):
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ؛ واللسان هو اللغة؛ وهي هنا العربية؛ و "اللد "؛ جمع "ألد "؛ وهو الشديد الخصومة؛ ومنه قوله (تعالى):
وهو ألد الخصام ؛ وقال الشاعر العربي:
أبيت نجيا للهموم كأنني ... أخاصم أقواما ذوي جدل لدا
ومن شأن
أهل الجدل والخصومة أن يكون عقلهم في انحياز جانبي إلى تفكير؛ لا يفتحون عقولهم لما يلقى عليهم؛ فلا يستمعون إلى الحق إذا دعوا؛
[ ص: 4696 ] ويسيرون طريقهم غير مدركين حقا؛ والإنذار يزعج حسهم؛ وربما يهتدون؛ وإلا فهم في طريق الغواية سائرون؛ وإن هؤلاء ربما يمهلهم الله إلى يوم القيامة؛ حيث الحساب؛ ثم العقاب على ما اقترفوا؛ وقد أنذر المشركين بما عصى الذين من قبلهم فأهلكهم الله (تعالى)؛ ولقد قال (تعالى):