سلح الله - (تعالى) - رسوله وكليمه
موسى بالأسلحة التي يدرع بها لإقناع طاغية الدنيا في عصره بنبوته؛ فأتى له بآية أخرى؛ إيناسا
لموسى؛ وليطمئن في لقائه بهذا الطاغية بأن الله (تعالى) معه؛ فلا يخاف؛ ولا يضطرب عند لقائه; ولذا قال (تعالى):
واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى لنريك من آياتنا الكبرى "؛ "الجناح "؛ هنا: الجانب؛ وهو تشبيه جانبي الإنسان بجناحي الطير؛ لأنهما محسوسان في جانبيه؛ وسمي جناحا الطائر بذلك لأنهما يطويان عند الطير؛ ويميلان على جنبيه؛ و "الجناح ": الميل؛ وضم اليدين إلى الجانبين معناه وضع اليدين تحت الإبطين؛ وقوله (تعالى):
تخرج بيضاء من غير سوء والفعل مجزوم على جواب الأمر؛ وهما لا يخرجان من تلقاء أنفسهما؛ بل يخرجهما
موسى بإرادة الله (تعالى)؛ فليس الضم سبب الخروج؛ ولكنه شرطه؛ و "السوء ": ما يسوء الإنسان عند النظر إليه؛ ولذا أطلق على العورة: "السوءة "؛ قال الله (تعالى) - عندما أكل
آدم وحواء من الشجرة -:
فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ؛ وقالوا: كنى بهذا عن البرص؛ أي: تخرج اليدان بيضاوان من غير ذلك المرض الذي يسوء النظر إليه؛ ويقول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في ذلك: إن قوله (تعالى):
من غير سوء كناية عن البرص؛ كما كنى عن العورة بالسوءة؛ والبرص أبغض شيء إلى العرب؛ وبهم عنه نفرة عظيمة؛ وأسماعهم لاسمه مجاجة؛ فكان جديرا بأن يكنى عنه؛ ولا نرى أحسن؛ ولا ألطف؛ ولا أحز للمفاصل من كناية القرآن وآدابه.
وإن ذلك كلام قيم في ذاته؛ ولكن ذكر البرص في القرآن الكريم؛ فلقد ذكره - سبحانه وتعالى - في
معجزات عيسى؛ فقال (تعالى):
وتبرئ الأكمه والأبرص ولقد قال (تعالى):
تخرج بيضاء من غير سوء لتبين أن البياض
[ ص: 4717 ] إشراق وضياء؛ منزهة عن أي مرض؛ فهو مدح للبياض؛ وهذه آية أخرى غير آية العصا؛ ولذا قال (تعالى):
آية أخرى والنصب لفعل محذوف مناسب للنص؛ تقديره - مثلا -: "أعطيناك آية أخرى لتذهب إلى من ترسل إليه مسلحا بالحجة؛ بحيث لا يماري فيها إلا جاهل؛ أو متجاهل؛ ممن يستيقنون بالآيات؛ ولكن يجحدونها؛ وسترى فرعون من هذا النوع ".
وإن الله (تعالى) قد أعطاه في لقائه الأول آيتين حسيتين قاطعتين في إثبات خطاب الله (تعالى)؛ وأشار - سبحانه وتعالى - إلى أنه سيزوده بكل آية؛ ليتمكن من الوقوف أمام فرعون غير هياب؛ ومتحملا لكل ما ينزل به من شدائد؛ أمام طاغوته؛ وجبروته؛ ولذا قال - سبحانه -: