يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا "الخفت ": خفض الصوت؛ و "يتخافتون ": يتبادلون الصوت الخافت الذي يكون بين الجهر والإسرار والنجوى؛ فهو ليس إسرارا؛ ولا نجوى؛ ولكنه إعلان في خفت؛ وهذا التخافت من الهلع والفزع؛ فإن المفزوع الخائف الهالع يكون كلامه خفيضا من شدة فزعه; إذ لا يستطيع أعلى منه؛ ولأنه يحسب أنه محسوب عليه قوله.
واللبث المتحدث عنه: في أي حال هو؟ أهو اللبث في الحياة الدنيا؛ أم اللبث في القبور بين الموت والبعث؟ اتجه كثيرون من المفسرين إلى أنه اللبث في الحياة الدنيا؛ مستمتعين بلذائذها وزينتها وزخارفها؛ فإنهم يحسبونه زمنا قليلا؛ ويجتمع عليهم ألمان: ألم بشعور قلة متاعهم في الدنيا؛ والألم الثاني طول عذابهم في الآخرة؛ أي أنهم يدركون أن الدنيا متاع قليل بجوار عذاب الآخرة الطويل؛ ومهما تكن حالهم فإنهم يستقلون متعتهم التي يحاسبون فيها؛ بجوار الشقاء الذي يلقونه في دار الجحيم التي يخلدون فيها؛ ويزكي هذا قوله (تعالى):
قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين [ ص: 4786 ] ويتجه بعض المفسرين إلى أن اللبث في القبور إلى وقت البعث؛ وذلك أنهم يحسبون أنهم لبثوا وقتا قصيرا؛ ثم استيقظوا بالبعث.
وإني أميل إلى ذلك الرأي؛ فإنهم وقت البعث لا يحسبون أنهم قضوا وقتا طويلا في القبور؛ وذلك من قدرة الله؛ وضعف الإنسان؛ والعشر هي عشر ليال؛ بدليل حذف التاء؛ والشهر العربي يعرف بالليالي؛ وهو لغة القرآن الكريم.
هذا ما يقدره بعض الناس؛ ويقدره آخرون بيوم واحد؛ وهو أمثلهم طريقة؛ ولقد قال (تعالى):