يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا "إذ "؛ في "يومئذ "؛ تشير إلى يوم ينفخ في الصور؛ ويكون البعث المراد يوم الحساب؛ يجيء كل إنسان ومعه أعماله مسجلة عليه في كتابه؛ قد سجلت حسناته؛ وسجلت سيئاته؛ وجوارحه تنطق بما اكتسبت من آثام؛ وتحوطه السيئات؛ ويحاسب على ما عمل؛ ولا شفيع يشفع؛ ولا فدية تدفع؛
إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا وهذه الشفاعة تكريم للشافع؛ وليست استنزالا لعقاب؛ أو زيادة في ثواب؛ فالله - سبحانه - يعلم الجزاء حق العلم؛ وإنما هي إظهار لكرامة الكرماء عند الله العزيز الحكيم؛ الذي علم كل شيء؛ فقدره تقديرا؛ وما قدره في علمه واقع لا محالة؛ فإن كان بشفاعة شفيع وقع ما كتب على أنه استجابة لشفاعة اختص بها كريما مكرما؛ فالشفاعة بالإذن؛ ويقال للشفيع: اشفع تشفع؛ فهي لا تكون إلا بإذن من الله؛ ولا تكون إلا لمن رضي له قولا؛ كما قال في آية أخرى؛
إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى
وقوله (تعالى):
إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا كأنه لا بد من شرطين لقبول
الشفاعة؛ وهما: إذن الله (تعالى) - ولا يكون الإذن إلا من مرضي القول؛ مقبول؛ لأنه تكريم من الله - عز وجل - لأجل الاستقامة؛ والعدالة في القول؛ فلا يشفع لأثيم؛
[ ص: 4790 ] وقلنا: إن هذا يكون تكريما للشفيع؛ ولرحمة العباد؛ وهو مقدر في علمه المكنون؛ فالشفاعة لا تغير مقدورا؛ ولكن تنفذ المقدور -؛ وقوله (تعالى):
ورضي له قولا التنكير هنا لتعميم القول؛ لا لتخصيصه؛ أي: رضي الله - سبحانه وتعالى - له قولا؛ أي قول؛ أي: كان الصادق الأمين عند الله (تعالى)؛ ولا يكون ذلك إلا لرسول من المقربين المصطفين الأخيار؛