ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين الضمير في "صدقناهم "؛ يعود إلى الأنبياء الذين مر ذكرهم في الآيات السابقة؛
وصدق الوعد معناه الوفاء به بأنه يجيء العمل موافقا للعهد؛ ومن ذلك: "قول الرسل صدق"؛ وقوله (تعالى):
من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ؛
[ ص: 4835 ] وقوله (تعالى):
ثم صدقناهم الوعد العطف بـ "ثم "؛ يفيد أنه بين الوعد وصدقه شدائد كثيرة نزلت بالأنبياء؛ من رد؛ وعناد؛ واستهزاء؛ وسخرية؛ وإيذاء؛ كما قال (تعالى):
حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ؛ فكان العطف بـ "ثم "؛ مشيرا إلى هذه الشدائد؛ وأنه لم يتبين صدق الوعد إلا بعد شدائد ذاقوها؛ ولم تهز إيمانهم؛ ولم توجد في قلوبهم يأسا من صدق وعد الله.
ثم قال (تعالى):
فأنجيناهم الفاء تدل على أنه يجيء فور صدق الوعد الإنجاء للرسل؛ والإنجاء يشير إلى تضافر القوى ضدهم؛ "ومن نشاء "؛ هم التابعون للأنبياء؛ الذين آمنوا بما جاؤوا؛ وقد شاء الله (تعالى) إيمانهم؛ لأنهم اختاروا الهدى؛ وقد عبر الله (تعالى) عنهم بقوله:
ومن نشاء للإشارة إلى أنهم آمنوا; لأن الله (تعالى) شاء لهم الإيمان؛ وكل شيء في محيط مشيئته وإرادته؛ فلا يقع شيء إلا إذا تعلقت به مشيئة الله؛ ولا يخرج شيء في الوجود عن إرادته.
وأهلكنا المسرفين وهم الذين خالفوا النبيين؛ وعاندوهم؛ ولم يؤمنوا؛ وكفروا بأنعم الله؛ وعبر الله عنهم بالمسرفين؛ لأنهم أسرفوا على أنفسهم؛ وأوقعوها في الضلال بكفرهم برسالة الله؛ وإسرافهم في العناد؛ وإيذاء المؤمنين؛ وإسرافهم في ضلال العقل؛ وعدم الإذعان لأي حجة؛ أو برهان؛ وإسرافهم في المعاصي؛ وهي إفساد؛ والله لا يحب المفسدين.
وإن الله (تعالى) أهلك المسرفين المفسدين دائما؛ ولكن بعد أن يرسل النذر؛ وقريش اختصت بكتاب فيه علمهم؛ وذكرهم؛ وشرفهم; ولذا قال - عز من قائل -: