وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون هذا النص مؤيد لمعنى الآية السابقة؛ وأنه لا أحد يشاركه في ملكه؛ فهو وحده المالك للسماوات والأرض؛ وما فيهما؛ ومن فيهما؛ والعندية هي عندية المنزلة؛ لا عندية المكان؛ لأن الله (تعالى) ليس له مكان حتى يكون في هذا المكان أحد؛ إنما العندية هي العندية المعنوية؛ وهي المكانة؛ وأولئك هم الملائكة؛ وهم أزواج مطهرة؛ ليس لها مكان نعرفه؛ وهم عباد مكرمون؛ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
وذكر العندية كما يفيد ما ذكرنا؛ من أنها عندية معنوية؛ وقرب من الله (تعالى)؛ ويفيد أيضا تشريفهم ومكانتهم عنده؛ ومع هذه المكانة
لا يستكبرون عن عبادته أي أنهم خاضعون له (تعالى)؛ خضوع العبودية له - سبحانه -; كما قال (تعالى):
لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ؛ وإذا كان الملائكة لا يستنكفون عن عبادته وهم المقربون؛ فأولى بكم أيها الناس؛ ثم أولى؛ أن تكونوا له عابدين؛ وهم في عبادتهم مستمرون؛ لا يكلون؛ ولا يضجرون؛ ولذا قال (تعالى) - نافيا الكلام -:
ولا يستحسرون وهو "افتعال "؛ من "الحسر "؛ بمعنى انكشاف قواهم؛ وظهور مللهم؛ وكان النفي بصيغة الافتعال الدالة على قوة الكلال؛ مع أن المقام يقتضي نفي أصله؛ لا نفي الكلال القوي منه؛ إذ إن نفي القوي من أمر لا يقتضي نفس الضعيف منه؛ ولكن نقول: كان نفي القوي للإشارة إلى أنهم في حال كلال قوي؛ وكان يمكن أن يكلوا؛ ومع ذلك استمروا دائبين في عبادتهم مع شدة التعب؛ ولكن لا تعب في أمر ما داموا يرضون ربهم؛ وهنا يسأل سائل: لماذا أفردوا بالذكر؛ مع أنهم داخلون في ملكية الله (تعالى)؟ ولم ذكر أنهم عنده؟ ونقول في الجواب عن ذلك: أفردوا لتعظيمهم؛ ولقربهم من الله (تعالى)؛ ولأن بعض الناس كان يقدسهم؛ بل يعبدهم؛ فكان ذكرهم فيه عبرة لمن يعبدون الله (تعالى)؛ وذكر أنهم عنده لما ذكرنا؛ تشريفا لهم؛ وللإشارة إلى قربهم من الله؛ كما هو الشأن في الملوك؛ وقال
الملا أبو [ ص: 4845 ] السعود: إنهم عند الله (تعالى) بمنزلة المقربين من الملوك؛ ولله (تعالى) المثل؛ الأعلى؛ وهو تقريب؛ ليدركوا معاني القرآن؛ وقال (تعالى) - في أوصاف الملائكة؛ وأعمالهم -: