يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ذكر الله (تعالى) أنهم في قبضته؛ وهو عالم بكل أحوالهم؛
يعلم ما بين أيديهم وهذا يكنى به عن حاضرهم؛ لأنه بين أيديهم؛ يفعلونه؛ ويدورون فيه تحت سلطان إرادته؛ وعلى مقتضى علمه؛ وجميع ما يفعلون وما يفكرون تحت عين الله؛ وفي رقابته؛
وما خلفهم ويعلم - سبحانه - ما هو خلف أعمالهم؛ أي: ما يجيء في المستقبل؛ فهو يعلم حالهم في حاضرهم؛ وفي قابلهم الذي يخلف حاضرهم؛ فهم في سلطان الله (تعالى)؛ مع تقريبهم؛ وتفضيلهم؛ وتكريمهم؛ وليس ذلك شأن من يتخذه ولدا؛ بل هو شأن من يكون من عباده.
ولا يشفعون إلا لمن ارتضى أي: لا يشفعون لأحد إلا إذا كان مرتضى لله؛ ورضا الله أن يشفع؛ كما قال (تعالى):
من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ؛
[ ص: 4853 ] وكما قال (تعالى):
يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ؛ فهم في شفاعتهم لا يسبق قولهم قول ربهم؛ إنما قول الله (تعالى) هو السابق؛ وهو الذي يأذن لهم بالقول؛ شفاعة أو غيرها.
وقد ذكر - سبحانه وتعالى - وصفا ثالثا؛ وهو حال دائمة مستمرة لهم؛ فقال: "وهم من خشيته مشفقون "؛ "الخشية ":
الخوف مع التعظيم والضراعة والاستسلام لله - عز وجل -; ولذا اختصت بالذين يعلمون عظمة الله (تعالى) وجلاله؛ فقال (تعالى):
إنما يخشى الله من عباده العلماء الذين علموا الله (تعالى) وعرفوه حق معرفته.
و "الإشفاق ": الخوف مع توقع ما يخافونه؛ فهو خوف مع عناية بما يجيء به الزمن؛ وإن ذلك الإشفاق يكون من كمال العلم بالله؛ واستشعار عظمته؛ وامتلاء النفس بمهابته؛ وذلك شأن من كانوا خاضعين؛ وليس شأن من زعموهم آلهة مع الله مناظرين؛ وإن هذه حال من قربوا من الله؛ فهم أدرك لعظمته؛ وأكثرهم علما بقدرته؛ وحكمته؛ وكماله.
وإن هذا التعبير الكريم يدل على دوام هذه الحال; لأن الجملة حالية أولا؛ ولأن الجملة اسمية؛ تدل على الاستمرار؛ ومؤكدة بالضمير؛ والله - سبحانه - أعلم بحالهم؛ فهم المقربون؛ ولكنهم مع قربهم من الله (تعالى)؛ وأنهم المكرمون؛ لو انحرفوا عن الطريق لنالهم جزاء الضالين المضلين; ولذا قال (تعالى):