وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين [ ص: 4905 ] وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين
من أخبار النبيين السابقين في هذه السورة كانت
أخبار أولي العزم من الرسل؛ وجهادهم الشرك؛ وبيان لمجاهدتهم الكفر؛ وتعرضهم لأذى الشرك؛ وصبرهم؛ وكيف صبروا حتى أدوا رسالات ربهم؛ وذلك تسرية للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وتحريض له على تبليغ الرسالة؛ وبيان أنه - سبحانه - ناصره كما نصرهم؛ ولن يضيعه الله (تعالى) بخذلان أبدا.
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصاب بشدائد؛ من شأنها أن تلقي بالرجل في غم وهم؛ كالذي أصابه يوم ذهب إلى الطائف بثقيف؛ فأغروا به صبيانهم وشبابهم؛ ولذا ساق الله (تعالى) أخبار من أصيبوا بضر أو بغم؛ وكيف أنقذهم الله (تعالى)؛ ورفع عنهم.
وقد ابتدأ - سبحانه - من أخبار هؤلاء بخبر
أيوب - عليه السلام -؛ فقال (تعالى):
وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين "أيوب "؛ منصوب على أنه مفعول لفعل محذوف تقديره: "اذكر "؛ والمخاطب النبي
محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ وتقديره: اذكر يا
محمد؛ وتذكر
أيوب؛ و "الضر "؛ هو ما يصيب الإنسان في جسمه أو نفسه وأحبائه؛ وقد أصيب
أيوب - عليه السلام - في جسمه؛ فأصيب بمرض عضال؛ قيل: إنه الجذام؛ وقد ذكر ذلك
ابن كثير في تفسيره؛ فقد جاء فيه: ذكر (تعالى) عن
أيوب عليه السلام ما كان أصابه من البلاء في ماله وولده وجسده؛ وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شيء كثير؛ وأولاد كثيرون؛ ومنازل مرضية؛ فابتلي في ذلك كله وذهب عن آخره؛ ثم ابتلي في جسده؛ يقال
[ ص: 4906 ] بالجذام في كل بدنه؛ ولم يبق منه شيء سليم سوى قلبه؛ ولسانه؛ يذكر بهما الله (تعالى)؛ حتى عافه الجليس؛ وانفرد في ناحية في البلد؛ ولم يبق أحد من الناس يحنو عليه سوى زوجه؛ كانت تقوم بأمره؛ ويقال: إنها احتاجت فصارت تخدم الناس لأجله.
ومع هذا المرض الممض المنفر؛ ومع الانفراد؛ كان صابرا؛ كما قال الله (تعالى):
إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ؛ ولم يشك لأحد غير الله؛ والشكوى لله لا تنافي الصبر؛ وإنما الذي ينافيه الأنين والشكوى للناس؛ قال لربه:
مسني الضر هذه الجملة الهادية؛ أي: أصاب نفسي وحسي؛ قال ذلك طالبا رفع الضرر؛ فقال:
وأنت أرحم الراحمين لم يطلب من الله بصريح اللفظ؛ ولكنه ذكر حاله وكفى؛ وهو بها عليم؛ وإن ذكر الرحمة ينبئ عن الطلب؛ وهو أن يرحمه - سبحانه -؛ ولكن لم تتعين الرحمة كاشفة عن الضر؛ فقد يكون الضر من الرحمة؛ ففي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=682245 "يبتلى الرجل على قدر دينه؛ فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه " ؛ وصف الله (تعالى) بأنه
أرحم الراحمين وأفعل التفضيل ليس على بابه؛ لأنه لا رحم يقارب رحمته؛ وإنما يفسر على أنه - سبحانه وتعالى - بلغ في رحمته أعلى درجاتها.