حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون [ ص: 4917 ] هذا بيان مما أعد للكافرين يوم القيامة؛ وقد ذكر أنهم إلى الله وحده راجعون؛ وسيحاسبهم على ما أجرموا في حق الله - سبحانه -؛ وظلمهم لعباده؛ وفي هذه الآية يذكر الكافرين بيوم القيامة؛ وما يختبر به عباده من قوم أشرار يعيثون في الأرض فسادا؛ وربما يهديهم الله - سبحانه وتعالى -؛ ويخف بالهداية شرهم؛ وهم
يأجوج ومأجوج؛ وقد استغاث الناس
بالإسكندر ذي القرنين؛ فقالوا له:
إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا
وقد هيأ الله (تعالى) أن أتم ما وعد؛ وقد تكلمنا في تفسير هذه في سورة "الكهف "؛ ويظهر أنه فتح لهم جانب من السد؛ وقال (تعالى):
حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون "حتى "؛ للتفريع من قوله (تعالى):
أنهم لا يرجعون وفي ذلك إشارة إلى أن
يأجوج ومأجوج الذين عرفوا في التاريخ بـ "المغول "؛ أو "التتار "؛ وهما في أصلهما واحد؛ ثم انشعبا من بعد ذلك وكانوا عنصرا واحدا.
وقد ظهر هؤلاء في القرن السادس؛ وانسابوا في الشرق؛ حتى وصلوا إلى وسط أوربا؛ وتلقت البلاد الإسلامية صدمتهم؛ وقد كانوا يسيرون فاتحين مسرعين في فتحهم؛ حتى إنهم ليقطعون في حروبهم أبعد المسافات فتحا بمقدار سيرهم؛ لا يقف أمامهم شيء؛ حتى إذا كان القرن السابع تولتهم الجيوش المصرية؛ فهزمتهم في
عين جالوت؛ ولأول مرة عرفت السيوف مواضعها من أقفيتهم؛ وقد انحدروا كالصخرة من أعلى
الصين؛ وما زالت تسير؛ لا تلوي على شيء إلا جعلته كالرميم؛ حتى وصلت إلى فيينا؛ وكانت الحبالى تجهض من سماع أخبارهم.
[ ص: 4918 ] وقد ذكر القرآن الكريم ذلك من أخبارهم؛ فقال (تعالى):
حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج أي: فتح سدهم؛ ولم يعد مانعهم؛ وعبر عن فتحته بـ "فتحت "؛ بالبناء للمجهول؛ أي: فتح لهم لأمر يعلمه الله (تعالى)؛ وعبر بالبناء للمجهول؛ وأضيف "الفتح "؛ إليهم؛ للدلالة على هولهم؛ وكأنهم نيران؛ أو حجارة فتحت على الناس؛ وكأنهم جهنم الدنيا؛
من كل حدب أي: نشز من الأرض؛
ينسلون يسرعون؛ مشتق من "نسلان الذئب "؛ أي: سرعته.
هذا أمر وقع؛ ورآه التاريخ؛ واستمر يشغل الأرض الإسلامية القرن الثامن الهجري؛ وإن الإخبار به قبل يوم القيامة يدل على أمرين؛ أولهما أنه يكون على مقربة من القيامة؛ وأنهم هلاك للناس في الدنيا؛ وثانيهما أنه معجزة من إعجاز القرآن; لأنه - سبحانه - أخبر عن أمر يقع في المستقبل؛ فوقع كما أخبر - سبحانه -؛ فكان ذلك دليلا على أنه من علم الله (تعالى) علام الغيوب؛ وأنه من قوله الحكيم.