لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون [ ص: 4924 ] "الفزع الأكبر "؛ هو يوم ينفخ في الصور؛ فتكون أنظار الذين كفروا شاخصة من شدة الهول؛ إذ يصيبها الفزع؛ ويقولون:
إنا كنا عن هذا غافلين ولذلك يصابون بالحزن الشديد؛ لأنهم لم يتوقعوه؛ ولم يؤمنوا به؛ بل أنكروه؛ وكانوا عنه غافلين.
أما أهل الإيمان الذين سبقت لهم الحسنى من الله (تعالى)؛ فإنه لا يحزنهم هذا الفزع؛ بل هو فزع بالنسبة لغيرهم; لأنهم توقعوه قبل أن يقع؛ بل آمنوا بأنه سيقع لا محالة.
وقد يقول قائل: كيف يسمى
الفزع الأكبر بالنسبة لهم؛ وهم لم يفزعوا منه؟ والجواب عن ذلك: ذلك أنه في ذاته أمر مفزع; إذ إن الوجود كله يضطرب؛ فالشمس تتكور؛ والسماء تنفطر؛ والجبال تصير هباء منبثا؛ وكل الدنيا تضطرب بما فيها؛ فهو في ذاته فزع؛ فهو يروعهم بأحداثه؛ ولكن لا يلقي في قلوبهم حزنا؛ لأنه يوم جزائهم.
وإنه من بعد هذا اليوم المروع في ذاته؛ "وتتلقاهم الملائكة "؛ أي أنهم مع اطمئنانهم؛ وبعدهم عن الحزن والغم؛ تتلقاهم الملائكة تلقي الكرماء لضيفانهم؛ وكأنهم ينزلون في مضيف؛ لا في دار حساب وجزاء؛ وذلك يؤكد أمنهم وسلامهم؛ والتلقي بالتحية المباركة يزيل كل ما من شأنه حزنهم؛ أو جزعهم؛ أو غرابة حياتهم الجديدة التي كانوا يتوقعونها؛ ويؤمنون بها؛
هذا يومكم الذي كنتم توعدون قدر المفسرون القول؛ أي: قول الملائكة؛ والمعنى: تتلقاهم الملائكة قائلين لهم: هذا يومكم "؛ ونحن نرى أن قوله (تعالى):
هذا يومكم هذا بيان للتلقي؛ لأنه تحية لهم؛ وتصديق لما اعتقدوا من قبل.
وقوله (تعالى):
الذي كنتم توعدون بيان لوعد الله (تعالى) بالبعث والجزاء والجنة والنعيم والرضوان؛ وقد ذكر - سبحانه - ذلك بعبارة تفيد التكرار؛ واستمرار التذكير؛ فالتعبير بالمضارع "توعدون "؛ فيه إشارة إلى الوعد المتكرر على ألسنة الرسل؛ رسولا رسولا؛ وقوله (تعالى): "كنتم "؛ تفيد استمرار هذا التذكير لمن كان يتذكر؛ وهم المؤمنون الأبرار.