العاقبة للمتقين
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون .
"الزبور "؛ هو كتاب داود - عليه السلام -؛ كما قال (تعالى):
وآتينا داود زبورا ؛ و "الذكر "؛ قالوا: هو التوراة; لأنها ذكر للشرائع؛ وبيان لها؛ نسخ منها ما نسخ بالقرآن؛ وما بقي استمر محكما؛ وإن كان القرآن حجتها؛ ولا دليل على صادقها سواه؛ ولو كان
موسى بن عمران حيا ما وسعه إلا اتباع
محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ وذكر الزبور؛ وقد قام داود بتنفيذ ما في التوراة؛ للإشارة إلى أن كتب الله المنزلة
[ ص: 4927 ] تواردت على هذا المعنى؛ وتعاونت على آدابه؛ وهو
أن الأرض يرثها عبادي الصالحون أي أن الأرض كلها؛ بقاصيها ودانيها؛ لله؛ وأنها ليست لملك طاغ؛ ولا لزعيم مفسد؛ ولا لرئيس يقود الناس إلى مراتع الفساد ومواطن التهلكة؛ إنما هي لله
يرثها عبادي الصالحون أي: يعطيها مالك الملك لعباده الصالحين؛ وعبر بقوله: "يرثها "؛ للإشارة إلى أن الصالحين يخلفون من كانوا عليها من فاسدين ظالمين عتاة؛ وذلك كقوله (تعالى):
وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ؛ وإن العاقبة تكون دائما للمتقين؛ وهنا التفات من الغائب إلى العودة إلى ضمير المتكلم؛ وهو الله - جل جلاله -؛ فالكلام بلغة المتكلم في قوله (تعالى):
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها فانتقل إلى الغائب؛ ثم عاد إلى المتكلم في قوله: "عبادي "؛ وفي ذلك تأكيد أن هذا مكتوب في كتبه - سبحانه - في كتبه المنزلة؛ وإضافة العباد إليه - سبحانه.
وإن ذلك وعد سجله - سبحانه - في كتبه بأن مآل هذه الأرض لعباده الصالحين؛ برغم جنحات المفسدين وغلبتهم وسعيهم بالفساد في الأرض؛ وقد يعترض الذين يأسرهم الزمان الذي يعيشون فيه؛ ولا تنفذ بصائرهم إلى ما وراءه بأن المفسدين في الأرض الذين اتخذوا من العلم بالكون وسائل تخريب في الأرض؛ وتمكين للظلم؛ وأن أهل الحق الصالحين مغلوب عليهم مستضعفون؛ ونقول: إن ذلك حكم حقبة من الزمان؛ هي التي نعيش؛ ولكن الله (تعالى) أخبر أن المآل للصالحين؛ والله أعلم بالمفسدين؛ وإن خبره صادق؛ والمستقبل غيب لا يعلمه إلا هو؛ ولنا أن نصدق الله ونكذب حكم الزمان في القابل.