ولقد بين سبحانه وتعالى بعض الحكم مفصلا في قوله تعالى:
فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين
هذا هو الجزء الأول من الحكم، وهو عذاب الذين كفروا، وفي التعبير بالموصول إشارة إلى أن سبب العذاب هو كفرهم، وقد أكد سبحانه وتعالى شدة
[ ص: 1247 ] العذاب بعدة تأكيدات، أولها: بنسبة التعذيب إليه، وهو القوي القهار الغالب على كل شيء، وفيه إشعار بعدالة العذاب عدالة مطلقة، وثانيها: بالتأكيد بالمصدر، وثالثها: بالوصف بالشدة، ورابعها: بعدم رجائه إنهاءه أو إزالته؛ إذ لا يوجد لهم من ناصر؛ ولذا قال سبحانه:
وما لهم من ناصرين وهو نفي مؤكد مستغرق، أي ليس لهم من ناصر أيا كان هذا الناصر، وأيا كانت نصرته، ولو كانت ضئيلة.
ولقد ذكر أن العذاب في الدنيا. وفي الآخرة؛ أما عذاب الآخرة فالأمر فيه إلى الله تعالى العلي القدير، وأما عذاب الدنيا بالنسبة لمن كذبوا
المسيح من اليهود فهو هذه الذلة والتفريق في الأرض، ومهما يحاول الكافرون أمثالهم لهم من معاونة فإن حبلها مقطوع بعون الله تعالى العلي القدير
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وأما النصارى فإن العذاب الذي هم فيه يبدو للناظر الفاحص من اختلافهم فيما بينهم، وتفرقهم أحزابا وشيعا، وجعل بأسهم بينهم شديدا، وهذه هي الحروب بينهم مستمرة مفنية مدمرة، وأي عذاب أشد من هول الحروب التي وقعت بينهم في الحربين العالميتين السابقتين!! فكم من دماء أهرقها أولئك الذين كفروا
بالمسيح فيما بينهم، وأي ذرية أبادوها؛ وكم من العمران خربوه!! ولا يدري إلا الله ما سيكشف عنه المستقبل من عذاب شديد يعده بعضهم لبعض، حتى يصيروا في نهايتهم بورا.