ثم صور حالهم في عدم تفكيرهم؛ فقال - سبحانه -:
إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ؛ " إذ " ؛ ظرف متعلق بقوله (تعالى):
لمسكم ؛ لمسكم العذاب العظيم في القول؛
إذ تلقونه ؛ تتلقون هذا الإفك من الألسنة؛ وترددونه من غير علم؛ ولا تثبت؛ واقتران المس بزمنه ينبئ عن أن هذا الذي كان في الظرف؛ أو كان الظرف وعاء له؛ عن أنه هو السبب؛ لولا فضل الله ورحمته؛ ومعنى
تلقونه بألسنتكم ؛ أي: وسائل التلقي والعلم لم تكن معاينة؛ ولكن هي الألسنة؛ وتقولونه مرددين ما سمعتم بأفواهكم؛ ولم تؤمن به قلوبكم؛ ولم تعاينوه وتروه؛ بل انتقلت الكلمات من الألسنة ورددتها الأفواه من غير علم؛ أو تثبت؛ فالألسنة قالته من غير علم؛ ورددته الأفواه من غير علم؛ واتخذوه سمرا؛ يرطبون فيه المجالس بالإثم من غير علم؛ ظنا منهم أنه هين لا أثر له؛ ولا إثم فيه؛ وأن التفكه بهذا القول هو أمر هين؛
وهو عند الله عظيم ؛ وذكر اسم الله (تعالى) توهينا لزعمهم؛ وبيان عظم الإثم؛ وفيه توبيخ شديد لهم؛ فليس ما ارتكبوه هنة صغيرة؛ بل هو جريمة كبيرة
[ ص: 5161 ] تفتك ببناء الجماعة الإسلامية التي من شأنها أن تقوم على تقوى من الله (تعالى) ورضوان؛ فترديد الاتهام يسهل الإجرام؛ وليس ذلك شأن الجماعات الفاضلة؛ وهنا إشارتان بيانيتان؛ أولاهما التعبير
بألسنتكم ؛ الخطاب للجميع؛ مع أنه لم يردد هذا إلا عدد قد أقيم عليهم حد القذف؛ وحدوا؛ ولكن خوطب الجميع؛ للإشارة إلى أن واجب الفضلاء إذا سمعوا لغو القول الجارح أن يوقفوا قائليه؛ ويمنعوهم؛ فإذا سمعوا؛ ولم يتكلموا؛ ولم يشاركوا؛ فكأنهم جميعا تكلموا.
الثانية أن قوله (تعالى):
وتقولون بأفواهكم ؛ تفيد أنهم يتكلمون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم؛ كقوله (تعالى):
يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم
بل هي ألسنة تردد قولا لا علم لهم به؛ ومآله على جماعتهم وخيم.