ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ؛
[ ص: 5203 ] الاستفهام في " ألم تر " ؛ إنكاري؛ بمعنى النفي؛ مع التنبيه إلى الحقائق لإدراكها؛ وهو داخل على نفي؛ وهو " لم " ؛ ونفي النفي إثبات؛ والمعنى: قد رأيت أن الله يسبح له من في السماوات والأرض؛ ومعناها: يقدسه؛ ويخضع له؛ ويسجد؛ أما تسبيحه فلأنه يدل على كمال الله (تعالى)؛ وتنزيهه عن مشابهة الحوادث؛ وأنه واحد أحد؛ وأنه صمد ليس بوالد ولا ولد؛ وأما السجود؛ فهو الخضوع الكامل لله (تعالى).
والتعبير بـ " من " ؛ في قوله (تعالى):
يسبح له من في السماوات ؛ مع أن فيها ما لا يعقل; فلأنها كلها في دلالتها على التسبيح أقيمت مقام العاقل; ولأن فيها عقلاء وغير عقلاء؛ غلب في البيان العقلاء; لأنهم أعلى مكانة من غيرهم؛ كالملائكة؛ فإنهم أعلى من غيرهم؛ ومثل ذلك عقلاء الإنس والجن المهديون؛ وغيرهم.
" والطير " ؛ لما فيها من إعجاز؛ من أنها تطير؛ وتسير في الفضاء من غير أن يكون سيرها على أجرام جامدة تتحمل ما يسير عليها؛ بل هي تسير من غير جرم جامد ثقيل تسير عليه؛ ولذلك خصها بالذكر؛ لفضل ما تدل عليه من إبداع في الخلق والتكوين؛ حتى كانت موضع درس للإنسان؛ فأراد أن يقلدها؛ وتم له ما أراد؛ فكانت الطائرات التي تقطع أجواز الفضاء؛ وسبحان من خلق كل شيء من غير مثال سبق؛ وقوله (تعالى):
والطير صافات ؛ أي: تطير في الفضاء؛ تسير صافات؛ أي: في صفوف متتالية ومتوازية؛ الأجنحة وراء الأجنحة؛ كما ترى في أسراب الحمام؛ وغيرها من الطير؛ من انتقالها من مكان إلى مكان؛ متآخية منتظمة في صفوف؛ وذلك من إلهام العلي الخبير لها؛ و " الطير " ؛ بالرفع؛ عطف على " من " ؛ أي أن الطير تسبح؛ كما يسبح كل من في السماوات والأرض؛ وذكر مع ذلك إبداع الله (تعالى) خلقها؛ وما ألهمها إياه؛ وما سخر لها من فضاء؛ بالسير لمسافات.
إن فاعل " علم " ؛ يعود على الله (تعالى) أي: كل فريق وطائفة؛ وخلق من خلقه؛ علم الله (تعالى) صلاته وتسبيحه؛ وقالوا: إن الصلاة تكون من العقلاء المهديين؛ والتسبيح بالخضوع والدلالة بالخلق والإبداع يكون من غير المهديين وغير العقلاء؛ فهم في صفهم؛ فهم كالأنعام؛ بل أضل سبيلا.