وبعد أن أشار - سبحانه - إلى بركته وخيره؛ ونمائه؛ شرفه بمنزله؛ وهو الله؛ خالق السموات والأرض؛ فقال:
الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا ؛ هذا شرف للقرآن ناله؛ من أن منزله هو منشئ هذا الكون؛ الذي لا يشبه أحدا من الحوادث؛ ولا يشبهه شيء في الوجود؛ " الذي " ؛ بدل أو عطف بيان لـ " الذي " ؛ الأولى؛ في قوله (تعالى):
الذي نـزل الفرقان على عبده ليكون ؛ وذكر هذا بعد ذكر إنزال القرآن؛ للدلالة - أولا - على شرف القرآن؛ بإضافته إلى من له الملك في السماوات والأرض؛ ويبين أن إنزال القرآن من تدبير صاحب الملك لملكه؛ لإصلاح عباده وإرشادهم به.
[ ص: 5246 ] و " الملك " ؛ هو السلطان؛ وهو مطلق لله (تعالى)؛ لا سلطان لغيره؛ وهو قيوم السماوات والأرض؛ فالنجوم لا تسير إلا بسلطانه؛ وكل ما فيها من شمس وقمر؛ ونجوم مسخرات بأمره وحده؛ وكذلك الأرضون؛ كل ما فيها من جبال ووهاد وبحار ونجاد وحيوان وجماد ومعادن وفلزات وغيرها؛ كله مسخر بأمره.
وصف الله - سبحانه - ذاته العلية بصفتين سلبيتين؛ وصفة إيجابية تدل على إثبات السلب؛ الأولى قوله (تعالى):
ولم يتخذ ولدا ؛ وذلك رد على النصارى الذين ادعوا أن
عيسى ابن الله؛ وعلى الهنود والبوذيين الذين أخذ منهم النصارى هذه النحلة؛ وعلى الذين يعبدون الملائكة؛ ويقولون: إنهم بنات الله (تعالى).
وقوله (تعالى):
ولم يتخذ ولدا ؛ أي: لم يجعل له من بين خلقه من يتخذه عونا ونصيرا؛ والنفي بهذه الصفة يحمل في نفسه بطلان الاتخاذ؛ لأن الاتخاذ يدل على الحاجة؛ والله (تعالى) لا يحتاج لأحد من خلقه:
يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد
الصفة السلبية الثانية قوله (تعالى):
ولم يكن له شريك في الملك ؛ هذا نفي مطلق؛ لأنه لو كان له شريك في الملك ما استقام الكون؛ كما قال (تعالى):
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون
الصفة الثالثة؛ وهي الإيجابية؛ وتتضمن في معناها برهان السلب في السلبيتين؛ وقد بينها - سبحانه - بقوله (تعالى):
وخلق كل شيء فقدره تقديرا ؛ أي: أنشأ كل شيء إنشاء مقدرا بإحكام؛ هو تقدير العزيز العليم؛ فالسماء ذات بروج؛ والمطر ينزل فينبت الزرع؛ والحيوان يأكل مما تنبت الأرض؛ وهكذا يسير الكون بقدرة الله العلي القدير؛ وتتفاعل الأشياء بعضها من بعض؛ بإرادة الله (تعالى) العزيز الحكيم.