[ ص: 5324 ] ذكر الله (تعالى) بعد ذلك وصفا يدل على إخلاص قلوبهم لمن يجيء بعدهم من ذرياتهم؛ إذ يريدون أن تمتد التقوى في أعقابهم من بعدهم؛ فيقول - سبحانه -:
والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ؛ هذا النص السامي يدل على أن أخلاق عباده أن يطلبوا الولد صالحا تقيا مؤمنا صادق الإيمان؛ لا أن يطلبوا النعم; لأن عمارة هذا الوجود بالولد؛ ولذا طلبوا هبته؛ ولم يطلبوا الحرمان؛ كما يطلب فجرة هذا الزمان المشؤوم؛ كرر طلب الولد الصلبي في قوله (تعالى):
هب لنا من أزواجنا ؛ لأن الولد المنسوب إلى الأزواج - وهو جمع " زوج " -؛ هو الولد الصلبي؛ وأما الولد من الذرية فهو من بعد الولد الصلبي؛ والذرية: الأولاد من الظهور؛ كالابن؛ وابن الابن وبنت الابن؛ وذلك على اصطلاح الفقهاء؛ وهو مشتق من اللغة؛ ونرى أن النص يومئ إلى أنه من يكون من دمه؛ سواء أكان من أولاد الظهور؛ أم من أولاد البطون؛ ومهما يكن الخلاف في هذا؛ فإنه لا جدوى فيه من موضوعنا؛ لأنه إن اقتصر في ناحية على أولاد الظهور؛ فمن ناحية أخرى يطلب غيره من يكون من أولاد الظهور له؛ وتعم الدعوة السلالات أجمعين؛ إذا خلصت كل النفوس؛ وكانوا عباد الرحمن.
كان طلب عباد الله الصالحين أن تكون لهم أعقاب صالحة؛ عبروا عنها في دعوتهم بقوله:
قرة أعين ؛ " القرة " ؛ من " القرار " ؛ وهو الاستقرار والثبات؛ ويقول
الأصفهاني؛ في مفرداته: إن الأصل فيه أنه من " القر " ؛ بضم القاف؛ وهو البرد; لأن العين في حال تستقر؛ وتهدأ؛ إذ كانوا يرهبون الحر؛ لأنه عندهم يكون شديدا؛ وقالوا: برد المتقين؛ وغيرهم يقول: حرارة الإيمان؛ والمفهوم من " قرة العين " ؛ أن تكون مطمئنة بذكر الله وأن يكونوا في سكينة الإيمان؛ وقرار العين مظهر من مظاهر سكون النفس؛ واطمئنان الفؤاد.
وقالوا في دعائهم:
واجعلنا للمتقين إماما ؛ أي: اجعلنا - معشر عباد الرحمن -
[ ص: 5325 ] إماما؛ أي: يقتدى بنا؛ ونتبع في الهداية والتوفيق؛ و " إماما " ؛ معناها: " أئمة " ; لأن " إمام " ؛ مصدر؛ يوصف به الواحد والجمع والذكر والأنثى.