وإن ربك لهو العزيز الرحيم ؛ استأنف الله (تعالى) القول ببيان قدرته الظاهرة؛ وحكمته الباهرة؛ فقال:
وإن ربك لهو العزيز الرحيم ؛ أي: إن الله (تعالى) الذي خلقك وقام بربوبيته لحمايتك؛ وهو الحي القيوم؛ لهو العزيز؛ الغالب؛ الرحيم؛ فيما يعمل؛ مما يسوء الظالمين؛ ويكافئ المحسنين؛ وقد أكد الله (تعالى) عزته ورحمته بعدة مؤكدات؛ هي " إن " ؛ وذكر الربوبية؛ وباللام؛ وبضمير الفصل؛ وإن رحمته بادية في نظام هذا
[ ص: 5363 ] الوجود؛ وبادية في عدم تسويته بين المحسن؛ ومن لا يحسن؛ ومن يعلم؛ ومن لا يعلم؛ ومن يعدل؛ ومن يظلم؛ والله رؤوف بالعباد.
يلاحظ هنا أربعة أمور؛ الأمر الأول: أن ما يتعلق بذكر التربية على لسان
فرعون؛ عاتبا؛ أو لائما؛ قد انفردت بذكره هذه السورة؛ وكذلك ما يتعلق بالإشارة إلى قتله رجلا من المصريين؛ واستحقاقه العقوبة عليه; لأنه كان ظالما؛ الأمر الثاني: بيانه لرب العالمين؛ وسؤال
فرعون عنه متهما؛ أو مستنكرا؛ لم يذكر بهذا التفصيل مرة أخرى؛ وفي ذلك البيان تنبيه وإنكار لألوهية
فرعون المزعومة الباطلة؛ وكذلك التهديد بالسجن إذا اتخذ إلها غيره؛ فإنه لم يذكر بهذا التأكيد في موضع آخر؛ الأمر الثالث: أنه ذكرت معجزة العصا؛ وما ترتب عليها من إيمان السحرة؛ ثم إنذارهم بأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف؛ قد ذكر في آيات أخرى؛ مع اختلاف في العبارات والسياق؛ وحذف في بعضها؛ ولكن مذكورة؛ ولا يعد الاختلاف في التعبير والتصوير مع زيادة أو نقص؛ لا يعد تكرارا؛ وهذه المعجزة الحسية الباهرة ذكرها ضروري لبيان أن المعجزات الحسية التي يطلب المشركون من
محمد - صلى الله عليه وسلم - مثلها؛ لا تجدي؛ ما دام القلب جاحدا؛ وما دام الكفر يسبق الإيمان في قلوب الجاحدين؛ الأمر الرابع: أنه ذكر فلق البحر؛ الذي صار كالطود العظيم؛ وهي معجزة؛ وهو في ذات الوقت أمرها شديد؛ ونذير للكافرين؛ وذكر مع اختلاف العبارات؛ وهو ضروري لبيان أن مآل المشركين كمآل
فرعون؛ أو أشد.