قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين قال إني لعملكم من القالين رب نجني وأهلي مما يعملون ؛ قالوا - مصممين موثقين قولهم باليمين -:
لئن لم تنته ؛ اللام هي اليمينية؛ أي: أقسموا بما يقسمون به؛ إذا لم تنته؛ وكان النداء لتأكيد أن الخطاب له؛ ولم تكن لمودة تجمعهم؛ إنما هو لنفرة شديدة لتفرقهم؛ لأنه يحول بينهم وما يشتهون من خروج على الفطرة؛ والطبع الإنساني؛ والمقسم به: لتكونن من المخرجين; أو المرجومين؛ واللام واقعة في جواب القسم؛ وقد أكدوا الإخراج أو الرجم بها؛ وبأن يصير في عداد المرجومين؛ أي أنه يرجم ويقبر؛ ويكون في عداد الأموات الذين يموتون بالرمي بالحجارة؛ حتى ماتوا؛ وأكدوا الرجم أيضا بنون التوكيد الثقيلة؛ وكذلك التأكيد على إخراجه فيكون بعيدا عنهم ويرتاحون من مواعظه.
وكانوا في فجورهم الذي لجوا فيه واستمرؤوه؛ وهو لا يستمرأ إلا عند ذوي الطباع الشاذة الخارجة عن الفطرة؛ وهم فاسقون أقوياء جبارون؛ فلم يسع نبي الله إلا أن يعلن استنكاره لفعلهم الذي يجافي الفطرة الإنسانية.
قال إني لعملكم من القالين ؛ عملهم هو هذا الفجور الذي أصروا عليه ولم يتركوه؛ وأرادوا قتل النبي الذي بين قبحه لهم بأقبح وأفجر قتلة؛ وهو الرجم؛ أعلن النبي الأمين بغضه الشديد له؛ عساهم يرتدعون؛ أو يقلعون عنه إن كان فيهم بقية من الإنسانية؛ قال
[ ص: 5399 ] لهم:
إني لعملكم من القالين ؛ أي: المبغضين له بغضا شديدا؛ يقال: " قلى فلان الأمر " ؛ أبغضه بغضا شديدا؛ وعافه؛ وقدم الجار والمجرور لعظيم النفرة من عملهم؛ وقد أشار إلى أن الناس جميعا يبغضون ذلك; لأنه مناف للفطرة؛ بقوله:
من القالين ؛ أي: المبغضين له بغضا شديدا؛ أي: اجعلوني في تعداد الناس الذين استقبحوه ونفروا منه.
ولقد علم عقبى فعلهم؛ والأثر السيئ الذي يعقبه؛ فقال:
رب نجني وأهلي ؛ اتجه إلى ربه ضارعا؛ أي: مناديا: " رب " ؛ أي: كالئي ومن يحميني؛ ومن أنعم علي بربوبيته وكلاءته؛ نجني وأهلي مما يعملون؛ أي: من أثر ما يفعلون من معصية تخر لها الجبال الشواهق؛ فإنه قد نجاه فعلا من هذه الفعلة الفاجرة؛ لأنه قلاها وأبغضها؛ إنما الذي يضرع إليه أن ينجو من آثار هذه الفعلة الشنعاء؛