ولكن
موسى يود أن يطمئن إلى أن الله (تعالى) هو الذي يخاطبه ويمنحه ذلك الشرف؛ ولذا أمره بأن يلقي عصاه حجة تدل على أن الله (تعالى) هو الذي يخاطبه؛ فقال:
وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون ؛ كان
موسى في حال من يكون في حيرة من أمره؛ يخاطبه الله؛ فالله - جل جلاله - أزال عنه هذه الخشية؛ بدليل قاطع؛ يدل على أن الله (تعالى) يخاطبه؛ وأنه رسول من عنده؛ بالعصا؛ ألقاها؛ فتحولت العصا إلى شيء يهتز ويضطرب كأنه حية تسعى؛ و " الجان " ؛ هنا: حية تهتز وتتحرك؛ فلما رآها كذلك
ولى مدبرا ؛ أي: سائرا إلى الخلف؛ وظهره كأنه وجهه ولم يعقب؛ أي: لم يرجع؛ كالجندي الذي يقاتل؛ يرتد إلى الوراء؛ ليحسن الهجوم؛ فيعقب على خصمه يضربه؛ ولكن رجوع
موسى - عليه السلام - كان رجوع الخائف الفزع الوجل؛ ليس من شأنه أن يقدم بعد إحجامه؛ بل يحجم لغير غاية؛ ولذا قال (تعالى) - عالما بخوفه -:
لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون ؛ أمره - سبحانه - بألا يخاف؛ تأنيا له؛ وتقريبا؛ وبيانا له بأنه كالئه وحاميه؛ ولا يخاف من الله ناصره؛ وقال (تعالى) - ما هو بمنزلة السبب للنهي -:
إني لا يخاف لدي المرسلون ؛ إني لا يمكن أن يخاف عندي المرسلون; لأني مانع كل شر عنهم؛ ولا يمكن أن ينالهم عندي إلا الأمان الذي لا يكون بعده أمان؛ فكيف تخاف؛ وأنت في حضرة المولى - جل جلاله -؟ ثم فوق ذلك أنت مرسل من قبلي للدعوة إلى الهداية؛ وكيف يخاف مرسل أرسله مع المرسلين.
[ ص: 5437 ] ولكن
موسى - عليه السلام - كان قد قتل مصريا مناصرة لإسرائيلي؛ وقال - شاعرا بخطئه -:
قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ؛ وإن هذه الفعلة هي التي ألجأته إلى
مدين؛