استمر
صالح في دعوته؛ تبليغا لرسالة ربه؛ ومعه الفريق المؤمن الذي يخاصمه الفريق الكافر؛ إلى أن تململوا به؛ وبمن معه؛ وأرادوا قتله؛ وأن يتوزع دمه؛ وهذا قوله (تعالى):
وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون ؛ " الرهط " : الجماعة من الناس؛ والإضافة بيانية؛ والمعنى: وكان في المدينة التي كانت مبعث
صالح تسعة رهط؛ أي: جماعة متحدة المشاعر؛ والأحاسيس؛ يجمعها العداوة للرسالة؛ والتآمر عليها؛ وهذه الجماعة من أوصافها أنها تفسد ولا تصلح؛ وقد كانت الرسالة الإلهية لإصلاح هؤلاء؛ ومنعا لإفسادهم عن الجماعة؛ ولا يهمنا أكانوا من الكبراء أم كانوا من الأصغرين؛ بيد أن عملهم يكشف عن فسادهم؛
قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ؛ قالوا: تقاسموا؛ أي أن قولهم هو
[ ص: 5463 ] التقاسم على موته وأهله؛ فهما بدل ومبدل منه؛ أو الثاني عطف بيان للأول؛ ومعنى
تقاسموا ؛ أن كل واحد منهم تبادل القسم مع الباقين؛ والقسم بالله؛ ولا غرابة في ذلك؛ فقد كانوا يعرفون الله؛ وأنه خالق كل شيء؛ ولا خالق غيره؛ ولكنهم يعبدون الأوثان لتكون زلفى إليه - سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.
وموضوع القسم:
لنبيتنه وأهله ؛ أي: لنجيئنهما بياتا وهم نائمون؛ ويقتلونهم؛ ويهلكونهم؛ ويجيئون بيمين كاذبة؛ يقولون:
ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ؛ يقولون لولي دمه من أهل وعشيرة؛ ويدعون أنهم صادقون؛ وإنهم لكاذبون؛ وهم بذلك يدبرون جريمة؛ ولكن الله راد كيدهم في نحرهم؛ وهو محيط بهم؛ ولذلك قال (تعالى):
ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون ؛ دبروا هذا التدبير الآثم؛ وسماه الله (تعالى) مكرا؛ وقد أحكموا التدبير؛ وأحاطوه بما يضمن التنفيذ بإحكام؛ ولذا أكد بالمفعول المطلق
مكرا ؛ والله من ورائهم محيط؛ ولذا دبر لعبده؛ وسمى تدبيره الحكيم
مكرا ؛ من قبيل المشاكلة اللفظية; ولأن المكر هو التدبير؛ ويكون في الخير والوقاية من الشر؛ كما يكون في تدبير السوء؛ كما كان منهم؛ ومكر الله (تعالى) لإحباط تدبيرهم الخبيث؛ وهو القضاء على الفساد والمفسدين؛ وهم لا يشعرون أن الله محبط عملهم؛ ومبطل تدبيرهم؛ وذلك بالقضاء عليهم قبل أن ينفذوا.