وقد وضح
لوط - عليه السلام - لهم قبح فعلهم بالتوضيح الواضح؛ بعد التلويح اللائح؛ فقال:
أإنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون ؛ الاستفهام داخل على أمر مؤكد وقوعه؛ فالاستفهام ليس لشك في وقوع
[ ص: 5466 ] الأمر؛ بل لغرابة في الوقوع المؤكد؛ فالاستفهام بلا ريب يفيد استغراب هذا الواقع المؤكد؛ وهو إتيان الرجال شهوة من دون النساء؛ ووجه الغرابة - أولا - أنهم يجعلون الرجال في موضع النساء؛ وذلك فساد في الفطرة أي فساد؛ ووجه الغرابة - ثانيا - أن الإتيان لأجل الولد؛ وهذا ليس موضع الحرث المنتج؛ ووجه الغرابة - ثالثا - أنه فاحشة في ذاته؛ إذ هو فساد؛ وقال - سبحانه - بعد ذلك:
بل أنتم قوم تجهلون ؛ " بل " ؛ للإضراب الانتقالي؛ وكأنه إضراب عن بيان غرابة أفعالهم؛ لأنه لا غرابة ممن شأنه أن يجهل ولا يتحرى الصواب في أفعاله؛ بل إنه حائر بائر؛ لا يفعل إلا ما يجهل؛ ولذا عبر بالمضارع المصور لحال الجهل الذي لا تصدر عنه أفعالهم؛ إلا وهم يجهلون؛ وسجل - سبحانه وتعالى - عليهم أنهم لا يفعلون إلا ما هو مجهول عند أهل العقول السليمة؛ أولا بالجملة الاسمية؛ وبالخطاب المواجه؛ المصور الموبخ؛ وبالتعبير بالمضارع الدال على تصوير الجهل المستمر الذي يدل على أن الجهل حال دائمة لا تنفصل عنهم.
وإن الباطل ينفر من الحق؛ ولا يستطيع أن يواجهه؛ ولذا اتجهوا إلى إخراج
لوط ومن معه من الأطهار من بينهم.