ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين الوهن: ضعف النفس، وقد يؤدي إلى ضعف الجسم عن العمل، والحزن ألم نفسي يصيب الإنسان عند فقد ما يحب أو عدم إدراكه، أو عند نزول أمر يهم النفس، ويجعلها في هم دائم، ومعنى النهي عن الوهن والحزن - وهما أمران نفسيان - هو النهي عن الاسترسال في الألم مما أصابهم، والمغزى: لا تسترسلوا في الهم والألم مما كان يوم أحد، فإن ذلك يؤدي إلى ضعفكم عن القتال، فليس النهي منصبا على أصل الوهن والحزن، ولكنه منصب على سببهما الذي هو في قدرة المؤمن وهو الاسترسال في الوهن والحزن.
والآية الكريمة تضمنت ذلك النهي، وتضمنت بشارة وتسلية، كما تضمنت فوق ذلك بيان
سبب النصر وهو صدق الإيمان.
فأما النهي فقد بينا ما يتجه إليه، وأما البشارة والتسلية، فهي قوله:
وأنتم الأعلون فهي تسلية للنبي وأصحابه من حيث إن فيها بيانا لأنهم أعلى، ومعنى العلو أنهم قد كان لهم غلب أكثر مما كان للمشركين، فقتلى المشركين يوم بدر أكثر من قتلى المؤمنين يوم أحد، والمؤمنون في أحد ذاتها قد كانوا أعلى منزلة من الكفار؛ لأن قتلى المؤمنين في الجنة، وقتلى المشركين في النار؛ ولأن قتال المؤمنين في سبيل الحق، وقتال المشركين في سبيل الطاغوت، وأي علو للإنسان أكثر من أن يشعر بأنه يقاتل لنصرة الحق، ويغالب في سبيله، فإن الحق في ذاته عزة وعلو، وفوق ذلك في النص بشارة بأن العاقبة للمتقين، وهو العلو في الأرض كما قال تعالى:
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين
وأما سبب النصر فهو صدق إيمان المؤمنين، فإن صدق الإيمان يصفي النفوس من أدرانها ويبعد عنها آثامها، ويجعل القصد هو إعلاء كلمة الحق، فيقدم
[ ص: 1422 ] المؤمن على القتال وهو يعلم أنه يفوز بإحدى الحسنيين الشهادة أو النصر، وكلتاهما غاية الطلب.
فالآيات تساق لمقاصد سامية منها إلقاء البشرى، والتسلية والتعزية، فقد بين الله سبحانه أن ما أصاب المسلمين في أحد قد أصاب المشركين مثله،