وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين هاتان فائدتان، أولاهما تمحيص الذين آمنوا، والتمحيص هو التخليص، أي: تخليص المؤمنين من ذنوبهم والمنافقين، وقد جاء في أساس البلاغة
nindex.php?page=showalam&ids=14423للزمخشري : " محص الشيء محصا،
[ ص: 1425 ] ومحصه تمحيصا خلصه من كل عيب، ومحص الذهب بالنار خلصه مما يشوبه " ، والمعنى على هذا أن هذا القرح الذي أصاب المؤمنين خلصهم مما كان يشوب قلوبهم من أعراض الدنيا، وخلصهم ممن كانوا يخالطونهم من ضعاف الإيمان والمنافقين، إذ تبين خبثهم، فصاروا لا يجدون لقولهم سامعا، ولا لدعوتهم إلى التردد والهزيمة مجيبا.
والفائدة الأخرى قررها الله سبحانه وتعالى بقوله:
ويمحق الكافرين أي ينقصهم، إذ المحق معناه:النقصان، ومنه المحاق لآخر الشهر؛ لأن الهلال يبلغ أقصى مدى النقصان فيختفي، والمعنى أن هذه الإصابة التي ترتب عليها تخليص المؤمنين من الشوائب يترتب عليها أن يختفي علم الكفر فلا يظهر، وتنقص قوتهم فلا ينتصرون من بعد؛ لأن العزائم قد تحفزت حذرة لمنازلتهم، فكانت الهزيمة سبيلا للنصر، وكان الجرح سبيلا لإعلاء كلمة الله تعالى.
هذه عبرة ساقها العزيز القدير لهزيمة المؤمنين يوم أحد، وقد نبه سبحانه إلى طريق الاستفادة من الهزيمة، بأن نخلص أنفسنا من شوائبها، ونمحص جماعتنا، فهل لنا أن نستفيد من ذلك؟!
إن الله تعالى يداول بين الناس وقد دالت علينا الأزمان بما فعلنا وبما ظلمنا أنفسنا وباستخذائنا وضعفنا، وقد بدت البشائر بأن الدولة أوشكت أن تعود إلينا، اللهم اجعلنا ننتفع بمواعظ القرآن، وهداية الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين