وبعد أن بين سبحانه ملكه للسماوات والأرض أشار إلى ما فيهما من عبر، فقال تعالى:
إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب وقد قال
فخر الدين الرازي في علاقة هذه الآيات بما قبلها: " اعلم أن المقصود من هذا الكتاب الكريم جذب القلوب والأرواح من الاشتغال بالخلق إلى الاستغراق في معرفة الحق، فلما أطال الكلام في تقرير الأحكام والجواب عن شبهات المبطلين عاد إلى إنارة القلوب بذكر ما يدل على التوحيد والإلهية والكبرياء والجلال فذكر هذه الآيات " .
وفي الحق، إن هذه الآيات تدعو إلى
التدبر والتفكر في هذا الكون العظيم، وصانعه الحكيم، ومبدعه ومنشئه من العدم، والآيات: الأمارات الواضحة الدالة على قدرة الصانع وسلطانه وكمال حكمته، واختلاف الليل والنهار هو تعاقبهما، مع تخالف مظاهرهما، فهذا نور ساطع، وذلك ظلام حالك، وفي النهار الشمس التي تمد الأرض بحرارتها وأشعتها، وبها يحيا النبات ويحيا الإنسان، وفي الليل النجوم الزاهرة، والقمر الباهر، وأولو الألباب هم أهل العقول المدركة التي تنفذ إلى لب الأشياء، ولا تكتفي بظواهرها، وما أحسن ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في وصف أولي الألباب: " الذين يفتحون بصائرهم للنظر والاستدلال والاعتبار، ولا ينظرون إليها نظر البهائم غافلين عن عجائب الفطرة، وفي النصائح الصغار: " املأ عينيك من زينة هذه الكواكب، وأجلهما في جملة هذه العجائب، متفكرا في قدرة مقدرها متدبرا في حكمة مدبرها، قبل أن يسافر بك القدر، ويحال بينك وبين النظر " وليس كل أولي الألباب يفهمون الآيات، بل لا بد من قلب خاشع، وعقل متفكر، ولذلك ذكر لأولي الألباب أوصافا أخرى لهم: أولها - نوه إليه سبحانه بقوله: