وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين )
* * *
[ ص: 197 ] كان إبليس عند أمر الله تعالى له مع الملائكة ، ولنا أن نقول إنه ليس مما خلقهم تعالى من مادتهم ، فإنه خلق من نار كما حكى الله تعالى عنه إذ قال :
وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا .
وإذا لم يكن منهم ، فإن الاستثناء يكون منقطعا ، ولكن الخطاب موجه إليه لصحبته لهم . والسجود الذي أمر الله تعالى به ما هو ؟ قال بعضهم : إنه الخضوع وهو يستعمل في كلام
العرب بمعنى التذلل والخضوع ، وليس السجود الذي يعد من أركان الصلاة ، ومن المعنى اللغوي قوله في سورة يوسف :
ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا أي دخلوا في حكمه .
ولقد قال تعالى في الخلق في سورة أخرى :
فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فهل يدل هذا على أنه كسجود الصلاة ؟ الجواب عن ذلك أنه يدل على كمال الخضوع له سبحانه وتعالى ، بما يدل على الخضوع الكامل بالانحناء له ، وإذا كان يوهم أنه كسجود الصلاة ، فليس عبادة
لآدم ولكنه إطاعة الله تعالى : وإن كان
آدم كالقبلة ، فالعبادة تكون للآمر وهو الله تعالى لا لمن اتخذه كالقبلة وكان كأنما السجود له .
ومهما تكن حال السجود ، والعلم الجازم بها عند الله تعالى ، فإن الأمر به دليل على تكريم الله تعالى
لآدم أبي البشر ، وأن له اختصاصا بالتكريم على الملائكة الأطهار الأبرار ، كما أمر الله تبارك وتعالى الذي خلق الفريقين ، وميز بين العالمين . وإبليس الذي كان من الجن خرج عن طاعة الله ففسق عن أمر الله مستكبرا بغير مسوغ للكبر ، لأنه زعم أن أصل خلقه خير من أصل خلق
آدم ، فهو خلق من نار ،
وآدم خلق من طين ، والله تعالى خالق المادتين ، فهو يفاخر ويعاند بأمر خلقه الله تعالى الذي أمره بالسجود ، فكان في أشد أحوال الغفلة ، وصح أن يقال فيه إنه أشد من خلق الله تغفيلا ، وكذلك كان أتباعه من بعده ، فهم في غفلة عن الحق دائما .
[ ص: 198 ] ولقد وصفه الله تعالى بأنه كفر ، وهو قد طغى في كفره ، وتعدى إلى معاندة الله تعالى في أمره ونهيه ، حتى لقد حكى الله تعالى أنه اعتزم الشر ، وأراد فتنة بني
آدم ، بل
آدم نفسه ، فقال عنه الله تعالى :
قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا ، وقال :
قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين .
* * *